وَهُوَ مِلْكٌ لَهُ - جَلَّ وَعَلَا -.
وَمَا ذَكَرَهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ مِنَ الثَّنَاءِ الْحَسَنِ عَلَى مَلَائِكَتِهِ - عَلَيْهِمْ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ - بَيَّنَهُ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ. كَقَوْلِهِ تَعَالَى. عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ [٦٦ ٦] وَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ كِرَامًا كَاتِبِينَ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ [٨٢ ١٠ - ١٢] وَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ [٢١ ١٩ - ٢٠] إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ.
مَسْأَلَةٌ
أَخَذَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ وَأَمْثَالِهَا فِي الْقُرْآنِ أَنَّ الْأَبَ إِذَا مَلَكَ ابْنَهُ عَتَقَ عَلَيْهِ بِالْمِلْكِ. وَوَجْهُ ذَلِكَ وَاضِحٌ؛ لِأَنَّ الْكُفَّارَ زَعَمُوا أَنَّ الْمَلَائِكَةَ بَنَاتُ اللَّهِ. فَنَفَى اللَّهُ تِلْكَ الدَّعْوَى بِأَنَّهُمْ عِبَادُهُ وَمِلْكُهُ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى مُنَافَاةِ الْمِلْكِ لِلْوَلَدِيَّةِ، وَأَنَّهُمَا لَا يَصِحُّ اجْتِمَاعُهُمَا، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ.
الضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ: مِنْهُمْ عَائِدٌ إِلَى الْمَلَائِكَةِ الْمَذْكُورِينَ فِي قَوْلِهِ: بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ [٢١ ٢٦] وَالْمَعْنَى أَنَّهُمْ مَعَ كَرَامَتِهِمْ عَلَى اللَّهِ لَوِ ادَّعَى أَحَدٌ مِنْهُمْ أَنَّ لَهُ الْحَقَّ فِي صَرْفِ شَيْءٍ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ الْخَاصَّةِ بِهِ إِلَيْهِ لَكَانَ مُشْرِكًا، وَكَانَ جَزَاؤُهُ جَهَنَّمَ. وَمَعْلُومٌ أَنَّ التَّعْلِيقَ يَصِحُّ فِيمَا لَا يُمْكِنُ وَلَا يَقَعُ، فَقَوْلُهُ: قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ الْآيَةَ [٤٣ ٨١] وَقَوْلِهِ: لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا [٢١ ٢٢] وَالْمُرَادُ بِذَلِكَ تَعْظِيمُ أَمْرِ الشِّرْكِ. وَهَذَا الْفَرْضُ وَالتَّقْدِيرُ الَّذِي ذَكَرَهُ - جَلَّ وَعَلَا - هُنَا فِي شَأْنِ الْمَلَائِكَةِ ذَكَرَهُ أَيْضًا فِي شَأْنِ الرُّسُلِ، عَلَى الْجَمِيعِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ، قَالَ تَعَالَى: وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ [٣٩ ٦٥] وَلَمَّا ذَكَرَ - جَلَّ وَعَلَا - مَنْ ذَكَرَ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ فِي سُورَةِ «الْأَنْعَامِ» فِي قَوْلِهِ: وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُدَ [٦ ٨٤] إِلَى آخَرِ مَنْ ذَكَرَ مِنْهُمْ، قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ: ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [٦ ٨٨].