اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ؛ أَيْ: يُخَاصِمُ فِيهِ بِغَيْرِ مُسْتَنَدٍ مِنْ عِلْمٍ بَيَّنَهُ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ ; كَقَوْلِهِ فِي هَذِهِ السُّورَةِ الْكَرِيمَةِ: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ [٢٢ ٨ - ٩] الْآيَةَ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى فِي لُقْمَانَ: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ [٣١ ٢٠ - ٢١] فَقَوْلُهُ فِي آيَةِ لُقْمَانَ هَذِهِ: أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ كَقَوْلِهِ فِي الْحَجِّ: كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ [٢٢ ٤] وَهَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ الَّتِي هِيَ قَوْلُهُ: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ [٢٢ ٣] الْآيَةَ، يَدْخُلُ فِيمَا تَضَمَّنَتْهُ مِنَ الْوَعِيدِ وَالذَّمِ: أَهْلُ الْبِدَعِ وَالضَّلَالِ، الْمُعْرِضِينَ عَنِ الْحَقِّ، الْمُتَّبِعِينَ لِلْبَاطِلِ، يَتْرُكُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنَ الْحَقِّ الْمُبِينِ، وَيَتَّبِعُونَ أَقْوَالَ رُؤَسَاءِ الضَّلَالَةِ الدُّعَاةِ إِلَى الْبِدَعِ وَالْأَهْوَاءِ وَالْآرَاءِ، بِقَدْرِ مَا فَعَلُوا مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ بِعُمُومِ الْأَلْفَاظِ لَا بِخُصُوصِ الْأَسْبَابِ.
وَمِنَ الْآيَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى مُجَادَلَةِ الْكَفَّارِ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ، قَوْلُهُ تَعَالَى: أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ [٣٦ ٧٧ - ٧٨]، وَقَوْلُهُ فِي أَوَّلِ النَّحْلِ: خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ [١٦ ٤]، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ [١٨ ٥٦].
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ [٤٢ ١٦]، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ [٤٣ ٥٨]، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا حَتَّى إِذَا جَاءُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ [٦ ٢٥] وَالْآيَاتُ بِمِثْلِ ذَلِكَ كَثِيرَةٌ، وَمَا ذَكَرَهُ اللَّهُ جَلَّ وَعَلَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ، مِنْ أَنَّهُ قَدَّرَ وَقَضَى أَنَّ مَنْ تَوَلَّى الشَّيْطَانَ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ، بَيَّنَهُ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ ; كَقَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ [٣٥ ٦]، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ [٣١ ٢١]، وَقَوْلِهِ تَعَالَى عَنْ نَبِيِّهِ وَخَلِيلِهِ إِبْرَاهِيمَ: يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا [١٩ ٤٥]، وَقَوْلِهِ