مِنْهَا: مَا إِذَا كَانَ سُقُوطُهَا بِسَبَبِ ضَرْبِ إِنْسَانٍ بَطْنَ الْمَرْأَةِ الَّتِي أَلْقَتْهَا، هَلْ تَجِبُ فِيهَا غُرَّةٌ أَوْ لَا؟
فَذَهَبَ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ إِلَى أَنَّ مَنْ ضَرَبَ بَطْنَ حَامِلٍ، فَأَلْقَتْ حَمْلَهَا عَلَقَةً فَهُوَ ضَامِنٌ دِيَةَ الْعَلَقَةِ ضَمَانَ الْجَنِينِ، فَتَلْزَمُهُ غُرَّةٌ، أَوْ عُشْرُ دِيَةِ الْأُمِّ.
وَفِي الْمُدَوَّنَةِ: مَا عُلِمَ أَنَّهُ حَمْلٌ، وَإِنْ كَانَ مُضْغَةً أَوْ عَلَقَةً أَوْ مُصَوَّرًا.
وَذَهَبَ جُمْهُورُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى أَنَّ الْجَنِينَ لَا ضَمَانَ فِيهِ حَتَّى تَظْهَرَ فِيهِ صُورَةُ الْآدَمِيِّ، وَمِمَّنْ قَالَ بِهِ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ: أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ رَحِمَهُمُ اللَّهُ. وَظُهُورُ بَعْضِ الصُّورَةِ كَظُهُورِ كُلِّهَا فِي الْأَظْهَرِ، وَاحْتَجُّوا بِأَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ أَنَّهُ حَمْلٌ حَتَّى يُصَوَّرَ، وَالْمَالِكِيَّةُ قَالُوا: الْحَمْلُ تُمْكِنُ مَعْرِفَتُهُ فِي حَالِ الْعَلَقَةِ فَمَا بَعْدَهَا، فَاخْتِلَافُهُمْ هَذَا مِنْ قَبِيلِ الِاخْتِلَافِ فِي تَحْقِيقِ الْمَنَاطِ.
وَمِنْهَا: مَا إِذَا كَانَتِ الْمَرْأَةُ مُعْتَدَّةً مِنْ طَلَاقٍ أَوْ وَفَاةٍ، وَكَانَتْ حَامِلًا، فَأَلْقَتْ حَمْلَهَا عَلَقَةً، هَلْ تَنْقَضِي بِذَلِكَ عِدَّتُهَا أَوْ لَا؟
فَمَذْهَبُ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ: أَنَّهَا تَنْقَضِي عِدَّتُهَا بِإِسْقَاطِ الْعَلَقَةِ الْمَذْكُورَةِ. وَاحْتَجَّ الْمَالِكِيَّةُ: بِأَنَّ الْعَلَقَةَ الْمَذْكُورَةَ يَصْدُقُ عَلَيْهَا أَنَّهَا حَمْلٌ، فَتَدْخُلُ فِي عُمُومِ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ [٦٥ ٤] وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ الْمَالِكِيِّ: لَا يَرْتَبِطُ بِالْجَنِينِ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الْأَحْكَامِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مُخَلَّقًا - يَعْنِي مُصَوَّرًا - وَذَهَبَ جُمْهُورُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْهُمُ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ وَغَيْرُهُمْ: إِلَى أَنَّ وَضْعَ الْعَلَقَةِ لَا تَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ، قَالُوا: لِأَنَّهَا دَمٌ جَامِدٌ، وَلَا يَتَحَقَّقُ كَوْنُهُ جَنِينًا.
وَمِنْهَا: مَا إِذَا أَلْقَتِ الْعَلَقَةَ الْمَذْكُورَةَ أَمَةٌ هِيَ سُرِّيَّةٌ لِسَيِّدِهَا، هَلْ تَكُونُ أُمَّ وَلَدٍ بِوَضْعِ تِلْكَ الْعَلَقَةِ أَوْ لَا؟
فَذَهَبَ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ وَأَصْحَابُهُ: إِلَى أَنَّهَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ بِوَضْعِ تِلْكَ الْعَلَقَةِ ; لِأَنَّ الْعَلَقَةَ مَبْدَأُ جَنِينٍ، وَلِأَنَّ النُّطْفَةَ لَمَّا صَارَتْ عَلَقَةً صَدَقَ عَلَيْهَا أَنَّهَا خُلِقَتْ عَلَقَةً، بَعْدَ أَنْ كَانَتْ نُطْفَةً، فَدَخَلَتْ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ [٣٩ ٦] فَيَصْدُقُ عَلَيْهَا أَنَّهَا وَضَعَتْ جَنِينًا مِنْ سَيِّدِهَا، فَتَكُونُ بِهِ أُمَّ وَلَدٍ، وَهَذَا رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ، وَبِهِ قَالَ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ.
وَذَهَبَ جُمْهُورُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْهُمُ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ: إِلَى أَنَّهَا لَا تَكُونُ أُمَّ وَلَدٍ بِوَضْعِهَا الْعَلَقَةَ الْمَذْكُورَةَ. وَقَدْ قَدَّمْنَا تَوْجِيهَهُمْ لِذَلِكَ.