فِي مَحَلِّ نَصْبِ مَفْعُولٍ بِهِ لِـ «يَدْعُو» وَاللَّامُ مُوطِّئَةٌ لِلْقَسَمِ، دَاخِلَةٌ عَلَى الْمُبْتَدَإِ، الَّذِي هُوَ وَخَبَرُهُ صِلَةُ الْمَوْصُولِ، وَتَأْكِيدُ الْمُبْتَدَإِ فِي جُمْلَةِ الصِّلَةِ بِاللَّامِ وَغَيْرِهَا لَا إِشْكَالَ فِيهِ.
قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ وَحُكِيَ عَنِ الْعَرَبِ سَمَاعًا: مِنْهَا عِنْدِي لَمَا غَيْرُهُ خَيْرٌ مِنْهُ؛ أَيْ: عِنْدِي مَا لَغَيْرُهُ خَيْرٌ مِنْهُ، وَأَعْطَيْتُكَ لَمَا غَيْرُهُ خَيْرٌ مِنْهُ؛ أَيْ: مَا لَغَيْرُهُ خَيْرٌ مِنْهُ.
وَالثَّانِي مِنْهَا: أَنَّ قَوْلَهُ: يَدْعُو تَأْكِيدٌ لِـ «يَدْعُوَ» فِي الْآيَةِ الَّتِي قَبْلَهَا، وَعَلَيْهِ فَقَوْلُهُ: لَمَنْ ضَرُّهُ فِي مَحَلِّ رَفْعٍ بِالِابْتِدَاءِ، وَجُمْلَةُ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ [٢٢ ١٣] صِلَةُ الْمَوْصُولِ الَّذِي هُوَ «مِنْ» وَالْخَبَرُ هُوَ جُمْلَةُ: لَبِئْسَ الْمَوْلَى. وَهَذَا الْمَعْنَى كَقَوْلِ الْعَرَبِ: لَمَا فَعَلْتَ لَهُوَ خَيْرٌ لَكَ.
قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ لَمَّا ذَكَّرَ هَذَا الْوَجْهَ: وَاللَّامُ الثَّانِيَةُ فِي: لَبِئْسَ الْمَوْلَى جَوَابُ اللَّامِ الْأُولَى: قَالَ: وَهَذَا الْقَوْلُ عَلَى مَذْهَبِ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ أَصَحُّ، وَالْأَوَّلُ إِلَى مَذْهَبِ أَهْلِ التَّأْوِيلِ أَقْرَبُ. اهـ.
وَالثَّالِثُ مِنْهَا أَنَّ مَنْ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ بِـ «يَدْعُو» وَأَنَّ اللَّامَ دَخَلَتْ عَلَى الْمَفْعُولِ بِهِ، وَقَدْ عَزَا هَذَا لِبَعْضِ الْبَصْرِيِّينَ مَعَ نَقْلِهِ عَمَّنْ عَزَاهُ إِلَيْهِ أَنَّهُ شَاذٌّ. وَأَقْرَبُهَا عِنْدِي الْأَوَّلُ.
وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَلَمْ يَرَ مِنْهُ نَفْعًا أَصْلًا، وَلَكِنَّهُ قَالَ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ [٢٢ ١٣] تَرْفِيعًا لِلْكَلَامِ: كَقَوْلِهِ: وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ [٣٤ ٢٤] وَبَاقِي الْأَقْوَالِ فِي اللَّامِ الْمَذْكُورَةِ تَرَكْنَاهُ، لِعَدَمِ اتِّجَاهِهِ فِي نَظَرِنَا، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: لَبِئْسَ الْمَوْلَى الْمَوْلَى: هُوَ كُلُّ مَا انْعَقَدَ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ سَبَبٌ، يُوَالِيكَ وَتُوَالِيهِ بِهِ. وَالْعَشِيرُ: هُوَ الْمُعَاشِرُ، وَهُوَ الصَّاحِبُ وَالْخَلِيلُ.
وَالتَّحْقِيقُ: أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَوْلَى وَالْعَشِيرِ الْمَذْمُومِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ، هُوَ الْمَعْبُودُ الَّذِي كَانُوا يَدْعُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ، كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ الْمُتَبَادِرُ مِنَ السِّيَاقِ.
وَقَوْلُهُ: ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ [٢٢ ١٢] ؛ أَيْ: الْبَعِيدُ عَنِ الْحَقِّ وَالصَّوَابِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ. فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ أَوْجُهٌ مِنَ التَّفْسِيرِ مَعْرُوفَةٌ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ، وَبَعْضُهَا يَشْهَدُ لِمَعْنَاهُ قُرْآنٌ.


الصفحة التالية
Icon