ذَلِكَ، وَالَّذِينَ قَالُوا هَذَا قَالُوا: هُوَ مُلْحَقٌ بِهِ فِي حُكْمِهِ ; لِأَنَّهُ فِي مَعْنَاهُ. وَعَلَى أَنَّ الْقَارِنَ يَلْزَمُهُ مَا يَلْزَمُ الْمُتَمَتِّعَ، عَامَّةُ الْعُلَمَاءِ، مِنْهُمُ الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ، إِلَّا مَنْ شَذَّ شُذُوذًا لَا عِبْرَةَ بِهِ. وَلَيْسَ كُلُّ خِلَافٍ جَاءَ مُعْتَبَرًا إِلَّا خِلَافًا لَهُ وَجْهٌ مِنَ النَّظَرِ
قَالَ فِي «الْإِنْصَافِ» : وَسَأَلَهُ - يَعْنِي الْإِمَامَ أَحْمَدَ - ابْنُ مُشَيْشٍ: الْقَارِنُ يَجِبُ عَلَيْهِ الدَّمُ وُجُوبًا؟ فَقَالَ: كَيْفَ يَجِبُ عَلَيْهِ وُجُوبًا، وَإِنَّمَا شَبَّهُوهُ بِالْمُتَمَتِّعِ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ، فَتَتَوَجَّهُ مِنْهُ رِوَايَةُ لَا يَلْزَمُهُ دَمٌ. انْتَهَى مِنْهُ.
وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَذْهَبَ أَحْمَدَ مُخَالِفٌ لِمَا زَعَمُوهُ رِوَايَةً، وَأَنَّ الْقَارِنَ كَالْمُتَمَتِّعِ فِي الْحُكْمِ. وَقَالَ ابْنُ قُدَامَةَ فِي «الْمُغْنِي» : وَلَا نَعْلَمُ فِي وُجُوبِ الدَّمِ عَلَى الْقَارِنِ خِلَافًا إِلَّا مَا حُكِيَ عَنْ دَاوُدَ أَنَّهُ لَا دَمَ عَلَيْهِ. وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ طَاوُسٍ. وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ أَنَّ ابْنَ دَاوُدَ لَمَّا دَخَلَ مَكَّةَ، سُئِلَ عَنِ الْقَارِنِ هَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ دَمٌ؟ فَقَالَ: لَا، فَجَرَّ بِرِجْلِهِ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى شُهْرَةِ الْأَمْرِ بَيْنَهُمْ. انْتَهَى مِنْهُ. وَذَكَرَ النَّوَوِيُّ أَنَّ الْعَبْدَرِيَّ حَكَى هَذَا الْقَوْلَ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ سُرَيْجٍ. وَالتَّحْقِيقُ خِلَافُهُ، وَأَنَّهُ يَلْزَمُهُ مَا يَلْزَمُ الْمُتَمَتِّعَ.
وَمِنَ النُّصُوصِ الدَّالَّةِ عَلَى ذَلِكَ. حَدِيثُ عَائِشَةَ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ، وَفِيهِ: «فَدَخَلَ عَلَيْنَا يَوْمَ النَّحْرِ بِلَحْمِ بَقَرٍ فَقُلْتُ: مَا هَذَا؟ فَقِيلَ: نَحَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ أَزْوَاجِهِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
قَالَ الْمَجْدُ فِي «الْمُنْتَقَى» : وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى الْأَكْلِ مِنْ دَمِ الْقِرَانِ ; لِأَنَّ عَائِشَةَ كَانَتْ قَارِنَةً. انْتَهَى مِنْهُ. وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْقَارِنَ عَلَيْهِ دَمٌ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَمِنْ أَصْرَحِ الْأَدِلَّةِ فِي ذَلِكَ: مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ، عَنْ جَابِرٍ بِلَفْظِ: «ذَبَحَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ عَائِشَةَ بَقَرَةً يَوْمَ النَّحْرِ» وَمَعْلُومٌ أَنَّهَا كَانَتْ قَارِنَةً، عَلَى التَّحْقِيقِ فَتِلْكَ الْبَقَرَةُ دَمُ قِرَانٍ، وَذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى لُزُومِهِ، وَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ قُدَامَةَ فِي «الْمُغْنِي»، مِنْ أَنَّهُ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ قَرَنَ بَيْنَ حَجِّهِ وَعُمْرَتِهِ فَلْيُهْرِقْ دَمًا» لَمْ أَعْرِفْ لَهُ أَصْلًا، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ مَرْفُوعًا. وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ: عَلَى أَنَّ الْقَارِنَ إِنْ كَانَ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، أَنَّهُ لَا دَمَ عَلَيْهِ ; لِأَنَّهُ مُتَمَتِّعٌ أَوْ فِي حُكْمِ الْمُتَمَتِّعِ، وَاللَّهُ يَقُولُ: ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ.
وَقَالَ ابْنُ قُدَامَةَ فِي «الْمُغْنِي»، وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ. وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونَ: عَلَيْهِ دَمٌ ; لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَسْقَطَ الدَّمَ عَنِ الْمُتَمَتِّعِ، وَهَذَا لَيْسَ مُتَمَتِّعًا، وَلَيْسَ هَذَا بِصَحِيحٍ، فَإِنَّنَا