مَسْأَلَةٌ
اعْلَمْ أَنَّ كَأَيِّنْ فِيهَا لُغَاتٌ عَدِيدَةٌ أَفْصَحُهَا الِاثْنَتَانِ اللَّتَانِ ذَكَرْنَاهُمَا، وَكَأَيِّنْ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالْيَاءِ الْمَكْسُورَةِ الْمُشَدَّدَةِ أَكْثَرُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ، وَهِيَ قِرَاءَةُ الْجُمْهُورِ كَمَا بَيَّنَّا، وَكَائِنٌ بِالْأَلِفِ وَالْهَمْزَةِ الْمَكْسُورَةِ أَكْثَرُ فِي شِعْرِ الْعَرَبِ، وَلَمْ يَقْرَأْ بِهَا مِنَ السَّبْعَةِ غَيْرُ ابْنِ كَثِيرٍ كَمَا بَيَّنَّا، وَمَعْنَى كَأَيِّنْ: كَمَعْنَى كَمِ الْخَبَرِيَّةِ، فَهِيَ تَدُلُّ عَلَى الْإِخْبَارِ بِعَدَدٍ كَثِيرٍ وَمُمَيِّزُهَا لَهُ حَالَتَانِ:
الْأُولَى: أَنْ يُجَرَّ بِمِنْ وَهِيَ لُغَةُ الْقُرْآنِ كَقَوْلِهِ: وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ [٦٥ ٨] وَقَوْلِهِ وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ الْآيَةَ [٣ ١٤٦] وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْآيَةَ [١٢ ١٠٥]، وَنَظِيرُ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ فِي جَرِّ مُمَيَّزِ كَأَيِّنْ بِمِنْ قَوْلُهُ:
وَكَائِنٌ بِالْأَبَاطِحِ مِنْ صَدِيقٍ | يَرَانِي لَوْ أُصِيبُ هُوَ الْمُصَابَا |
الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يُنْصَبَ وَمِنْهُ قَوْلُهُ:
وَكَائِنٌ لَنَا فَضْلًا عَلَيْكُمْ وَمِنَّةً | قَدِيمًا وَلَا تَدْرُونَ مَا مِنْ مُنْعِمِ |
وَقَوْلُ الْآخَرِ:اطْرُدِ الْيَأْسَ بِالرَّجَاءِ فَكَائِنٌ | آلِمًا حُمَّ يُسْرُهُ بَعْدَ عُسْرِ |
قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ:كَكَمْ كَأَيِّنْ وَكَذَا وَيَنْتَصِبْ | تَمْيِيزُ ذَيْنِ أَوْ بِهِ صِلْ مَنْ تُصِبْ |
أَمَّا الِاسْتِفْهَامُ بِكَأَيِّنْ فَهُوَ نَادِرٌ وَلَمْ يُثْبِتْهُ إِلَّا ابْنُ مَالِكٍ، وَابْنُ قُتَيْبَةَ، وَابْنُ عُصْفُورٍ، وَاسْتَدَلَّ لَهُ ابْنُ مَالِكٍ بِمَا رُوِيَ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ أَنَّهُ قَالَ لِابْنِ مَسْعُودٍ: كَأَيِّنْ تَقْرَأُ سُورَةَ الْأَحْزَابِ آيَةً فَقَالَ: ثَلَاثًا وَسَبْعِينَ اهـ.
وَاخْتُلِفَ فِي كَأَيِّنْ هَلْ هِيَ بَسِيطَةٌ أَوْ مُرَكَّبَةٌ وَعَلَى أَنَّهَا مُرَكَّبَةٌ فَهِيَ مُرَكَّبَةٌ مِنْ كَافِ التَّشْبِيهِ، وَأَيِّ الْمُنَوَّنَةِ، قَالَ بَعْضُهُمْ: وَلِأَجْلِ تَرْكِيبِهَا جَازَ الْوَقْفُ عَلَيْهَا بِالنُّونِ فِي قِرَاءَةِ الْجُمْهُورِ ; لِأَنَّ التَّنْوِينَ لَمَّا دَخَلَ فِي التَّرْكِيبِ أَشْبَهَ النُّونَ الْأَصْلِيَّةَ، وَلِهَذَا رُسِمَ فِي الْمُصْحَفِ نُونًا وَقِرَاءَةُ أَبِي عَمْرٍو بِالْوَقْفِ عَلَى الْيَاءِ لِأَجْلِ اعْتِبَارِ حُكْمِ التَّنْوِينِ فِي الْأَصْلِ، وَهُوَ حَذْفُهُ فِي الْوَقْفِ.
قَالَ مُقَيِّدُهُ - عَفَا اللَّهُ عَنْهُ وَغَفَرَ لَهُ -: الْأَظْهَرُ عِنْدِي أَنَّ كَأَيِّنْ بَسِيطَةٌ، وَأَنَّهَا كَلِمَةٌ