اللَّهِ، أُنْزِلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَقَرَأَهَا الصَّحَابَةُ، وَوَعَوْهَا، وَعَقَلُوهَا وَأَنَّ حُكْمَهَا بَاقٍ ; لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَلَهُ وَالصَّحَابَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فَعَلُوهُ بَعْدَهُ.
فَتَحَقَّقْنَا بِذَلِكَ بَقَاءَ حُكْمِهَا مَعَ أَنَّهَا لَا شَكَّ فِي نَسْخِ تِلَاوَتِهَا مَعَ الرِّوَايَاتِ الَّتِي ذَكَرْنَا فِي كَلَامِ ابْنِ حَجَرٍ، وَمِنْ جُمْلَةِ مَا فِيهَا لَفْظُ آيَةِ الرَّجْمِ الْمَذْكُورَةِ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.
وَأَمَّا الْآيَةُ الَّتِي هِيَ بَاقِيَةُ التِّلَاوَةِ وَالْحُكْمِ، فَهِيَ قَوْلُهُ تَعَالَى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ [٣ ٢٣]، عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا نَزَلَتْ فِي رَجْمِ الْيَهُودِيَّيْنِ الزَّانِيَيْنِ بَعْدَ الْإِحْصَانِ، وَقَدْ رَجَمَهُمَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَقِصَّةُ رَجْمِهِ لَهُمَا مَشْهُورَةٌ، ثَابِتَةٌ فِي الصَّحِيحِ، وَعَلَيْهِ فَقَوْلُهُ: ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ، أَيْ: عَمَّا فِي التَّوْرَاةِ مِنْ حُكْمِ الرَّجْمِ، وَذَمُّ الْمُعْرِضِ عَنِ الرَّجْمِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ ثَابِتٌ فِي شَرْعِنَا، فَدَلَّتِ الْآيَةُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ أَنَّ الرَّجْمَ ثَابِتٌ فِي شَرْعِنَا، وَهِيَ بَاقِيَةُ التِّلَاوَةِ.
فُرُوعٌ تَتَعَلَّقُ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ
الْفَرْعُ الْأَوَّلُ: أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الرَّجْمَ لَا يَكُونُ إِلَّا عَلَى مَنْ زَنَى، وَهُوَ مُحْصَنٌ.
وَمَعْنَى الْإِحْصَانِ: أَنْ يَكُونَ قَدْ جَامَعَ فِي عُمْرِهِ، وَلَوْ مَرَّةً وَاحِدَةً فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ، وَهُوَ بَالِغٌ عَاقِلٌ حُرٌّ، وَالرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ فِي هَذَا سَوَاءٌ، وَكَذَلِكَ الْمُسْلِمُ، وَالْكَافِرُ، وَالرَّشِيدُ، وَالْمَحْجُورُ عَلَيْهِ لِسَفَهٍ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْكَافِرَ إِذَا كَانَ مُحْصَنًا يُرْجَمُ الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ الَّذِي ثَبَتَ فِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَجَمَ يَهُودِيَّيْنِ زَنَيَا بَعْدَ الْإِحْصَانِ، وَقِصَّةُ رَجْمِهِمَا مَشْهُورَةٌ مَعَ صِحَّتِهَا ; كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ.
الْفَرْعُ الثَّانِي: أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ مَنْ زَنَى، وَهُوَ مُحْصَنٌ يُرْجَمُ، وَلَمْ نَعْلَمْ بِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ خَالَفَ فِي رَجْمِ الزَّانِي الْمُحْصَنِ، ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى إِلَّا مَا حَكَاهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ عَنِ الْخَوَارِجِ، وَبَعْضِ الْمُعْتَزِلَةِ كَالنَّظَّامِ وَأَصْحَابِهِ، فَإِنَّهُمْ لَمْ يَقُولُوا بِالرَّجْمِ، وَبُطْلَانُ مَذْهَبِ مَنْ ذُكِرَ مِنَ الْخَوَارِجِ، وَبَعْضِ الْمُعْتَزِلَةِ وَاضِحٌ مِنَ النُّصُوصِ الصَّحِيحَةِ الصَّرِيحَةِ الثَّابِتَةِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابِهِ بَعْدَهُ كَمَا قَدَّمْنَا مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ، وَكَمَا سَيَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ.
الْفَرْعُ الثَّالِثُ: أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الزَّانِيَ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى، إِذَا قَامَتْ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ


الصفحة التالية
Icon