الْمَذْكُورِينَ، وَيَقْتَضِي أَنْ يُكْتَفَى فِيهِ بِأَرْبَعَةٍ، وَلَا خِلَافَ أَنَّ الْأَرْبَعَةَ إِذَا كَانَ بَعْضُهُمْ نِسَاءً لَا يُكْتَفَى بِهِمْ، وَأَنَّ أَقَلَّ مَا يُجْزِئُ خَمْسَةٌ، وَهَذَا خِلَافُ النَّصِّ ; وَلِأَنَّ فِي شَهَادَتِهِنَّ شُبْهَةً لِتَطَرُّقِ الضَّلَالِ إِلَيْهِنَّ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى [٢ ٢٨٢]، وَالْحُدُودُ تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ، انْتَهَى مِنْهُ.
وَلَا خِلَافَ بَيْنِ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ شَهَادَةَ الْكُفَّارِ كَالذِّمِّيِّينَ لَا تُقْبَلُ عَلَى الْمُسْلِمِ بِالزِّنَى.
وَاخْتُلِفَ هَلْ تُقْبَلُ عَلَى كَافِرٍ مِثْلِهِ؟ فَقِيلَ: لَا، وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِنَّمَا رَجَمَ الْيَهُودِيِّينَ بِاعْتِرَافِهِمَا بِالزِّنَى، لَا بِشَهَادَةِ شُهُودٍ مِنَ الْيَهُودِ عَلَيْهِمْ بِالزِّنَى، وَالَّذِينَ قَالُوا هَذَا الْقَوْلَ زَعَمُوا أَنَّ شَهَادَةَ الشُّهُودِ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ أَنَّهَا شَهَادَةُ شُهُودٍ مُسْلِمِينَ، يَشْهَدُونَ عَلَى اعْتِرَافِ الْيَهُودِيَّيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ بِالزِّنَى، وَمِمَّنْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ: ابْنُ الْعَرَبِيِّ الْمَالِكِيُّ.
وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْكُفَّارِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ إِنْ تَحَاكَمُوا إِلَيْنَا.
وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: الْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ الْكَافِرَ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ عَلَى مُسْلِمٍ، وَلَا عَلَى كَافِرٍ لَا فِي حَدٍّ وَلَا فِي غَيْرِهِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ السَّفَرِ وَالْحَضَرِ فِي ذَلِكَ، وَقَبِلَ شَهَادَتَهُمْ جَمَاعَةٌ مِنَ التَّابِعِينَ، وَبَعْضُ الْفُقَهَاءِ إِذَا لَمْ يُوجَدْ مُسْلِمٌ، وَاسْتَثْنَى أَحْمَدُ حَالَةَ السَّفَرِ إِذَا لَمْ يُوجَدْ مُسْلِمٌ.
وَأَجَابَ الْقُرْطُبِيُّ عَنِ الْجُمْهُورِ عَنْ وَاقِعَةِ الْيَهُودِيَّيْنِ بِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَفَّذَ عَلَيْهِمْ مَا عَلِمَ أَنَّهُ حُكْمُ التَّوْرَاةِ، وَأَلْزَمَهُمُ الْعَمَلَ بِهِ ظَاهِرًا لِتَحْرِيفِهِمْ كِتَابَهُمْ، وَتَغْيِيرِهِمْ حُكْمَهُ أَوْ كَانَ ذَلِكَ خَاصًّا بِهَذِهِ الْوَاقِعَةِ.
وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ بَعْدَ نَقْلِهِ كَلَامَ الْقُرْطُبِيِّ الْمَذْكُورَ، كَذَا قَالَ: وَالثَّانِي مَرْدُودٌ، ثُمَّ قَالَ: وَقَالَ النَّوَوِيُّ: الظَّاهِرُ أَنَّهُ رَجَمَهُمَا بِالِاعْتِرَافِ، فَإِنْ ثَبَتَ حَدِيثُ جَابِرٍ فَلَعَلَّ الشُّهُودَ كَانُوا مُسْلِمِينَ وَإِلَّا فَلَا عِبْرَةَ بِشَهَادَتِهِمْ، وَيَتَعَيَّنُ أَنَّهُمَا أَقَرَّا بِالزِّنَى.
ثُمَّ قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: قُلْتُ: لَمْ يَثْبُتْ أَنَّهُمَا كَانُوا مُسْلِمِينَ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الشُّهُودُ أَخْبَرُوا بِذَلِكَ بَقِيَّةَ الْيَهُودِ، فَسَمِعَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَلَامَهُمْ، وَلَمْ يَحْكُمْ فِيهِمَا إِلَّا مُسْتَنِدًا لِمَا أَطْلَعَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ، فَحَكَمَ بِالْوَحْيِ، وَأَلْزَمَهُمُ الْحُجَّةَ بَيْنَهُمْ ; كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا [١٢ ٢٦]، وَأَنَّ شُهُودَهُمْ شَهِدُوا عَلَيْهِمَا عِنْدَ إِخْبَارِهِمْ بِمَا ذَكَرَ، فَلَمَّا رَفَعُوا الْأَمْرَ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَعْلَمَ الْقِصَّةَ عَلَى وَجْهِهَا فَذَكَرَ كُلُّ مَنْ حَضَرَهُ مِنَ الرُّوَاةِ مَا حَفِظَهُ فِي


الصفحة التالية
Icon