حَدَّثَنَا هَاشِمٌ: أَنَّ امْرَأَةً رُفِعَتْ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، لَيْسَ لَهَا زَوْجٌ، وَقَدْ حَمَلَتْ فَسَأَلَهَا عُمَرُ، فَقَالَتْ: إِنَّنِي امْرَأَةٌ ثَقِيلَةُ الرَّأْسِ وَقَعَ عَلَيَّ رَجُلٌ، وَأَنَا نَائِمَةٌ فَمَا اسْتَيْقَظْتُ حَتَّى فَرَغَ، فَدَرَأَ عَنْهَا الْحَدَّ، وَرَوَى الْبَرَاءُ بْنُ صَبْرَةَ، عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ أُوتِيَ بِامْرَأَةٍ حَامِلٍ، فَادَّعَتْ أَنَّهَا أُكْرِهَتْ، فَقَالَ: خَلِّ سَبِيلَهَا، وَكَتَبَ إِلَى أُمَرَاءِ الْأَجْنَادِ، أَلَّا يُقْتَلَ أَحَدٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ.
وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُمَا قَالَا: إِذَا كَانَ فِي الْحَدِّ لَعَلَّ وَعَسَى فَهُوَ مُعَطَّلٌ، وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، وَعُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ - قَالُوا: إِذَا اشْتَبَهَ عَلَيْكَ الْحَدُّ فَادْرَأْ مَا اسْتَطَعْتَ، وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ الْحَدَّ يُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ، وَهِيَ مُتَحَقِّقَةٌ هُنَا، اهـ بِلَفْظِهِ مِنَ «الْمُغْنِي».
وَانْظُرْ أَيْضًا أَسَانِيدَ هَذِهِ الْآثَارِ الَّتِي ذَكَرَهَا عَنِ الصَّحَابَةِ، وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَ هُوَ حَاصِلُ مَا احْتَجَّ بِهِ الْجُمْهُورُ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ الْحَبَلَ لَا يَثْبُتُ بِهِ الزِّنَا.
قَالَ مُقَيِّدُهُ - عَفَا اللَّهُ عَنْهُ وَغَفَرَ لَهُ -: أَظْهَرُ قَوْلَيْ أَهْلِ الْعِلْمِ عِنْدِي: أَنَّ الزِّنَا لَا يَثْبُتُ بِمُجَرَّدِ الْحَبَلِ، وَلَوْ لَمْ يُعْرَفْ لَهَا زَوْجٌ وَلَا سَيِّدٌ ; لِأَنَّ الْحَمْلَ قَدْ يَقَعُ لَا شَكَّ مِنْ غَيْرِ وَطْءٍ فِي الْفَرَجِ، بَلْ قَدْ يَطَأُ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ فِي فَخِذَيْهَا، فَتَتَحَرَّكُ شَهْوَتُهَا فَيَنْزِلُ مَاؤُهَا وَيُنْزِلُ الرَّجُلُ، فَيَسِيلُ مَاؤُهُ فَيَدْخُلُ فِي فَرْجِهَا، فَيَلْتَقِي مَاؤُهُ بِمَائِهَا فَتَحْمِلُ مِنْ غَيْرِ وَطْءٍ وَهَذَا مُشَاهَدٌ لَا يُمْكِنُ إِنْكَارُهُ.
وَلِأَجْلِ ذَلِكَ فَالْأَصَحُّ أَنَّ الزَّوْجَ إِذَا كَانَ يَطَأُ امْرَأَتَهُ فِي الْفَخِذَيْنِ، وَلَمْ يُجَامِعْهَا فِي الْفَرْجِ فَظَهَرَ بِهَا حَمْلٌ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ اللِّعَانُ لِنَفْيِ ذَلِكَ الْحَمْلِ ; لِأَنَّ مَاءَهُ قَدْ يَسِيلُ إِلَى فَرْجِهَا، فَتَحْمِلُ مِنْهُ، وَقَوْلُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: إِذَا كَانَ الْحَبَلُ أَوْ الِاعْتِرَافُ اجْتِهَادٌ مِنْهُ ; لِأَنَّهُ يَظْهَرُ لَهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ الْحَمْلَ يَثْبُتُ بِهِ الزِّنَا كَالِاعْتِرَافِ وَالْبَيِّنَةِ.
وَإِنَّمَا قُلْنَا: إِنَّ الْأَظْهَرَ لَنَا خِلَافُ قَوْلِهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، لِأَنَّا نَعْلَمُ أَنَّ وُجُودَ الْحَمْلِ لَا يَسْتَلْزِمُ الْوَطْءَ فِي الْفَرْجِ بَلْ قَدْ تَحْبَلُ بِدُونِ ذَلِكَ، وَإِذَا كَانَ الْحَبَلُ لَا يَسْتَلْزِمُ الْوَطْءَ فِي الْفَرْجِ فَلَا وَجْهَ لِثُبُوتِ الزِّنَا، وَإِقَامَةِ الْحَدِّ بِأَمْرٍ مُحْتَمَلٍ غَيْرِ مُسْتَلْزِمٍ لِمُوجَبِ الْحَدِّ، كَمَا تَرَى.
وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْحُدُودَ تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ، هَذَا هُوَ الْأَظْهَرُ عِنْدَنَا، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.
فُرُوعٌ تَتَعَلَّقُ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ.


الصفحة التالية
Icon