«الْمُغْنِي» : وَبِهِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، وَأَبُو ذَرٍّ، ذَكَرَ ذَلِكَ عَبْدُ الْعَزِيزِ عَنْهُمَا وَاخْتَارَهُ، وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ، وَإِسْحَاقُ، وَدَاوُدُ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَمِمَّنْ قَالَ بِأَنَّهُ يُرْجَمُ فَقَطْ وَلَا يُجْلَدُ مَعَ الرَّجْمِ مَالِكٌ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ، وَالنَّخَعِيُّ، وَالزُّهْرِيُّ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَاخْتَارَهُ أَبُو إِسْحَاقَ، الْجُوزَجَانِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ الْأَثْرَمُ، وَنَصَرَاهُ فِي سُنَنِهِمَا وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ عُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ ذَلِكَ كُلَّهُ ابْنُ قُدَامَةَ فِي «الْمُغْنِي»، وَهَذَا الْقَوْلُ الْأَخِيرُ الَّذِي هُوَ الِاقْتِصَارُ عَلَى الرَّجْمِ عَزَاهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ لِجَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ.
وَفِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلٌ ثَالِثٌ: وَهُوَ مَا حَكَاهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ، عَنْ طَائِفَةٍ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ، وَهُوَ أَنَّهُ يَجِبُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا إِذَا كَانَ الزَّانِي شَيْخًا ثَيِّبًا فَإِنْ كَانَ شَابًّا ثَيِّبًا اقْتَصَرَ عَلَى الرَّجْمِ.
وَإِذَا عَلِمْتَ أَقْوَالَ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَهَذِهِ تَفَاصِيلُ أَدِلَّتِهِمْ، أَمَّا الَّذِينَ قَالُوا: يُجْمَعُ لِلزَّانِي الْمُحْصَنِ بَيْنَ الْجَلْدِ وَالرَّجْمِ، فَقَدِ احْتَجُّوا بِأَدِلَّةٍ.
مِنْهَا: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَرَّحَ بِالْجَمْعِ بَيْنَهُمَا لِلزَّانِي الْمُحْصَنِ تَصْرِيحًا ثَابِتًا عَنْ ثُبُوتٍ لَا مَطْعَنَ فِيهِ.
قَالَ مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي صَحِيحِهِ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِيُّ، أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ حِطَّانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الرَّقَاشِيِّ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «: خُذُوا عَنِّي، خُذُوا عَنِّي، قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ وَنَفْيُ سَنَةٍ، وَالثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ جَلْدُ مِائَةٍ وَالرَّجْمُ»، وَهَذَا تَصْرِيحٌ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنَّ الثَّيِّبَ وَهُوَ الْمُحْصَنُ يُجْلَدُ مِائَةً وَيُرْجَمُ، وَهَذَا اللَّفْظُ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا بِإِسْنَادٍ آخَرَ، وَفِي لَفْظٍ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ «: الثَّيِّبُ جُلِدَ مِائَةً ثُمَّ رُجِمَ بِالْحِجَارَةِ»، وَهُوَ تَصْرِيحٌ مِنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْجَمْعِ بَيْنَهُمَا، وَفِي لَفْظٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ أَيْضًا «: وَالثَّيِّبُ يُجْلَدُ وَيُرْجَمُ»، وَهَذِهِ الرِّوَايَاتُ الثَّابِتَةُ فِي الصَّحِيحِ فِيهَا تَصْرِيحُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْجَمْعِ بَيْنَ الْجَلْدِ وَالرَّجْمِ.
وَمِنْ أَدِلَّتِهِمْ عَلَى الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا: أَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - جَلَدَ شُرَاحَةَ الْهَمْدَانِيَّةَ يَوْمَ الْخَمِيسِ، وَرَجَمَهَا يَوْمَ الْجُمُعَةَ، وَقَالَ: جَلَدْتُهَا بِكِتَابِ اللَّهِ، وَرَجَمْتُهَا بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
قَالَ الْبُخَارِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي صَحِيحِهِ: حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، ثَنَا سَلَمَةُ بْنُ كُهَيْلٍ،


الصفحة التالية
Icon