الْكَلَامِ عَلَى مَسْأَلَةِ الْحِجَابِ فِي سُورَةِ «الْأَحْزَابِ».
وَمِنْهَا مَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا: مِنْ أَنَّ نَظَرَ الْعَيْنِ إِلَى مَا لَا يَحِلُّ لَهَا تَكُونُ بِهِ زَانِيَةً، فَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ قَالَ: مَا رَأَيْتُ شَيْئًا أَشْبَهَ بِاللَّمَمِ مِمَّا قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «: إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَى ابْنِ آدَمَ حَظَّهُ مِنَ الزِّنَى أَدْرَكَ ذَلِكَ لَا مَحَالَةَ، فَزِنَى الْعَيْنِ: النَّظَرُ، وَزِنَى اللِّسَانِ: الْمَنْطِقُ، وَالنَّفْسُ تَتَمَنَّى وَتَشْتَهِي، وَالْفَرْجُ يُصَدِّقُ ذَلِكَ كُلَّهُ وَيُكَذِّبُهُ»، اهـ، هَذَا لَفْظُ الْبُخَارِيِّ، وَالْحَدِيثُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَفِي بَعْضِ رِوَايَاتِهِ زِيَادَةٌ عَلَى مَا ذَكَرْنَا هُنَا.
وَمَحَلُّ الشَّاهِدِ مِنْهُ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «: فَزِنَى الْعَيْنِ النَّظَرُ»، فَإِطْلَاقُ اسْمِ الزِّنَى عَلَى نَظَرِ الْعَيْنِ إِلَى مَا لَا يَحِلُّ دَلِيلٌ وَاضِحٌ عَلَى تَحْرِيمِهِ وَالتَّحْذِيرِ مِنْهُ، وَالْأَحَادِيثُ بِمِثْلِ هَذَا كَثِيرَةٌ مَعْلُومَةٌ.
وَمَعْلُومٌ أَنَّ النَّظَرَ سَبَبُ الزِّنَى فَإِنَّ مَنْ أَكْثَرَ مِنَ النَّظَرِ إِلَى جَمَالِ امْرَأَةٍ مَثَلًا قَدْ يَتَمَكَّنُ بِسَبَبِهِ حُبُّهَا مِنْ قَلْبِهِ تَمَكُّنًا يَكُونُ سَبَبَ هَلَاكِهِ، وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ، فَالنَّظَرُ بَرِيدُ الزِّنَى، وَقَالَ مُسْلِمُ بْنُ الْوَلِيدِ الْأَنْصَارِيُّ:
كَسَبَتْ لِقَلْبِي نَظْرَةً لِتَسُرَّهُ | عَيْنِي فَكَانَتْ شِقْوَةً وَوَبَالًا |
مَا مَرَّ بِي شَيْءٌ أَشَدُّ مِنَ الْهَوَى | سُبْحَانَ مَنْ خَلَقَ الْهَوَى وَتَعَالَى |
وَقَالَ آخَرُ:أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْعَيْنَ لِلْقَلْبِ رَائِدٌ | فَمَا تَأْلَفُ الْعَيْنَانِ فَالْقَلْبُ آلِفُ |
وَقَالَ آخَرُ:وَأَنْتَ إِذَا أَرْسَلْتَ طَرْفَكَ رَائِدًا | لِقَلْبِكَ يَوْمًا أَتْعَبَتْكَ الْمُنَاظِرُ |
رَأَيْتَ الَّذِي لَا كُلَّهُ أَنْتَ قَادِرٌ | عَلَيْهِ وَلَا عَنْ بَعْضِهِ أَنْتَ صَابِرُ |
وَقَالَ أَبُو الطَّيِّبِ الْمُتَنَبِّي:
وَأَنَا الَّذِي اجْتَلَبَ الْمَنِيَّةَ طَرْفُهُ | فَمَنِ الْمُطَالِبُ وَالْقَتِيلُ الْقَاتِلُ |
وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي كِتَابِهِ
«ذَمِّ الْهَوَى» فُصُولًا جَيِّدَةً نَافِعَةً أَوْضَحَ فِيهَا الْآفَاتِ الَّتِي يُسَبِّبُهَا النَّظَرُ وَحَذَّرَ فِيهَا مِنْهُ، وَذَكَرَ كَثِيرًا مِنْ أَشْعَارِ الشُّعَرَاءِ، وَالْحِكَمِ النَّثْرِيَّةِ