وَهُوَ - جَلَّ وَعَلَا - عَالِمٌ بِمَا سَبَقَ فِي الْأَزَلِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَتَذَكَّرُ وَلَا يَخْشَى.
مَعْنَاهُ: فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا رَجَاءً مِنْكُمَا بِحَسَبِ عَدَمِ عِلْمِكُمَا بِالْغَيْبِ أَنْ يَتَذَكَّرَ أَوْ يَخْشَى.
وَالثَّانِي: هُوَ مَا قَالَهُ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالتَّفْسِيرِ مِنْ أَنَّ كُلَّ لَعَلَّ فِي الْقُرْآنِ لِلتَّعْلِيلِ، إِلَّا الَّتِي فِي سُورَةِ «الشُّعَرَاءِ»، وَهِيَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ [٢٦ ١٢٩]، قَالُوا: فَهِيَ بِمَعْنَى كَأَنَّكُمْ، وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ إِطْلَاقَ لَعَلَّ لِلتَّعْلِيلِ مَعْلُومٌ فِي الْعَرَبِيَّةِ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
فَقُلْتُمْ لَنَا كُفُّوا الْحُرُوبَ لَعَلَّنَا | نَكُفُّ وَوَثَّقْتُمْ لَنَا كُلَّ مَوْثِقِ |
وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ، فَالْمَعْنَى: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ، لِأَجْلِ أَنْ تُفْلِحُوا، أَيْ: تَنَالُوا الْفَلَاحَ، وَالْفَلَاحُ فِي اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ: يُطْلَقُ عَلَى مَعْنَيَيْنِ:
الْأَوَّلُ: الْفَوْزُ بِالْمَطْلُوبِ الْأَعْظَمِ، وَمِنْ هَذَا الْمَعْنَى قَوْلُ لَبِيَدٍ:
فَاعْقِلِي إِنْ كُنْتِ لَمَّا تَعْقِلِي | وَلَقَدْ أَفْلَحَ مَنْ كَانَ عَقَلَ |
الْمَعْنَى الثَّانِي: هُوَ الْبَقَاءُ الدَّائِمُ فِي النَّعِيمِ وَالسُّرُورِ، وَمِنْهُ قَوْلُ الْأَضْبَطِ بْنِ قُرَيْعٍ، وَقِيلَ: كَعْبِ بْنِ زُهَيْرٍ:
لِكُلِّ هَمٍّ مِنَ الْهُمُومِ سَعَهْ | وَالْمِسَا وَالصُّبْحُ لَا فَلَاحَ مَعَهْ |
لَوْ أَنَّ حَيًّا مُدْرِكُ الْفَلَاحِ | لَنَالَهُ مُلَاعِبُ الرِّمَاحِ |