فَالْمَعْنَى آيَاتٌ مُبَيِّنَاتٌ أَيْ بَيِّنَاتٌ وَاضِحَاتٌ، وَيَدُلُّ لِهَذَا الْوَجْهِ الْأَخِيرِ قَوْلُهُ تَعَالَى: سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنْزَلْنَا [٢٤ ١]، وَذَكَرَ الْوَجْهَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ الزَّمَخْشَرِيُّ، وَأَبُو حَيَّانَ وَغَيْرُهُمَا وَمَثَّلُوا لِبَيَّنَ اللَّازِمَةِ بِالْمَثَلِ الْمَعْرُوفِ، وَهُوَ قَوْلُ الْعَرَبِ: قَدْ بَيَّنَ الصُّبْحُ لِذِي عَيْنَيْنِ.
قَالَ مُقَيِّدُهُ - عَفَا اللَّهُ عَنْهُ وَغَفَرَ لَهُ -: مِنَ الْمَعْرُوفِ فِي الْعَرَبِيَّةِ أَنْ بَيَّنَ مُضَعَّفًا، وَأَبَانَ كِلْتَاهُمَا تَأْتِي مُتَعَدِّيَةً لِلْمَفْعُولِ وَلَازِمَةً، فَتَعَدِّي بَيَّنَ لِلْمَفْعُولِ مَشْهُورٌ وَاضِحٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ [٣ ١١٨] وَتَعَدِّي أَبَانَ لِلْمَفْعُولِ مَشْهُودٌ وَاضِحٌ أَيْضًا كَقَوْلِهِمْ: أَبَانَ لَهُ الطَّرِيقَ، أَيْ: بَيَّنَهَا لَهُ، وَأَوْضَحَهَا، وَأَمَّا وُرُودُ بَيَّنَ لَازِمَةً بِمَعْنَى تَبَيَّنَ وَوَضُحَ فَمِنْهُ الْمَثَلُ الْمَذْكُورُ: قَدْ بَيَّنَ الصُّبْحُ لِذِي عَيْنَيْنِ، أَيْ: تَبَيَّنَ وَظَهَرَ، وَمِنْهُ قَوْلُ جَرِيرٍ:
وُجُوهُ مُجَاشِعٍ طُلِيَتْ بِلُؤْمٍ | يُبَيِّنُ فِي الْمُقَلَّدِ وَالْعِذَارِ |
فَقَوْلُهُ: يُبَيِّنُ بِكَسْرِ الْيَاءِ بِمَعْنَى: يَظْهَرُ، وَيَتَّضِحُ وَقَوْلُ جَرِيرٍ أَيْضًا:
رَأَى النَّاسُ الْبَصِيرَةَ فَاسْتَقَامُوا | وَبَيَّنَتِ الْمِرَاضَ مِنَ الصِّحَاحِ. |
وَمِنْهُ أَيْضًا قَوْلُ قَيْسِ بْنِ ذُرَيْحٍ:
وَلِلْحُبِّ آيَاتٌ تُبَيِّنُ بِالْفَتَى | شُحُوبٌ وَتَعْرَى مِنْ يَدَيْهِ الْأَشَاجِعُ |
عَلَى الرِّوَايَةِ الْمَشْهُورَةِ بِرَفْعِ
«شُحُوبٌ».
وَالْمَعْنَى: لِلْحُبِّ عَلَامَاتٌ تُبَيِّنُ بِالْكَسْرِ، أَيْ: تَظْهَرُ وَتَتَّضِحُ بِالْفَتَى، وَهِيَ شُحُوبٌ إِلَخْ، وَأَنْشَدَ ثَعْلَبٌ هَذَا الْبَيْتَ، فَقَالَ: شُحُوبًا بِالنَّصْبِ، وَعَلَيْهِ فَلَا شَاهِدَ فِي الْبَيْتِ ; لِأَنَّ شُحُوبًا عَلَى هَذَا مَفْعُولُ تُبَيِّنُ فَهُوَ عَلَى هَذَا مِنْ بَيَّنَ الْمُتَعَدِّيَةِ، وَأَمَّا وُرُودُ أَبَانَ لَازِمَةً بِمَعْنَى بَانَ وَظَهَرَ، فَهُوَ كَثِيرٌ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ أَيْضًا وَمِنْهُ قَوْلُ جَرِيرٍ:
إِذَا آبَاؤُنَا وَأَبُوكَ عُدُّوا | أَبَانَ الْمُقْرَفَاتُ مِنَ الْعِرَابِ |
أَيْ: ظَهَرَتِ الْمُقْرَفَاتُ وَتَبَيَّنَتْ، وَقَوْلُ عُمَرَ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ الْمَخْزُومِيِّ:
لَوْ دَبَّ ذَرٌّ فَوْقَ ضَاحِي جِلْدِهَا | لَأَبَانَ مِنْ آثَارِهِنَّ حُدُودُ |
أَيْ: لَظَهَرَ وَبَانَ مِنْ آثَارِهِنَّ حُدُودٌ، أَيْ: وَرَمٌ، وَقَوْلُ كَعْبِ بْنِ زُهَيْرٍ: