إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ. وَقَوْلُهُ: ذِكْرَى، أَعْرَبَهُ بَعْضُهُمْ مَرْفُوعًا، عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، أَيْ: هَذِهِ ذِكْرَى، وَأَعْرَبَهُ بَعْضُهُمْ مَنْصُوبًا، وَفِي إِعْرَابِهِ عَلَى أَنَّهُ مَنْصُوبٌ أَوْجُهٌ: مِنْهَا أَنَّهُ مَا نَابَ عَنِ الْمُطْلَقِ، مِنْ قَوْلِهِ: مُنْذِرُونَ، لِأَنَّ أَنْذَرَ وَذَكَرَ مُتَقَارِبَانِ.
وَمِنْهَا أَنَّهُ مَفْعُولٌ مِنْ أَجْلِهِ، أَيْ: مُنْذِرُونَ مِنْ أَجْلِ الذِّكْرَى بِمَعْنَى التَّذْكِرَةِ.
وَمِنْهَا أَنَّهَا حَالٌ مِنَ الضَّمِيرِ فِي مُنْذِرُونَ، أَيْ: يُنْذِرُونَهُمْ فِي حَالِ كَوْنِهِمْ ذَوِي تَذْكِرَةٍ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ. قَدْ قَدَّمْنَا الْآيَاتِ الْمُوَضِّحَةَ لَهُ فِي سُورَةِ «الْحِجْرِ»، فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ وَحَفِظْنَاهَا الْآيَةَ [١٥ ١٦ - ١٧].
قَوْلُهُ تَعَالَى: فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ. قَدْ أَوْضَحْنَا فِي سُورَةِ «بَنِي إِسْرَائِيلَ»، فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: لَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَخْذُولًا [١٧ ٢٢] بِالدَّلِيلِ الْقُرْآنِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُخَاطَبُ بِمِثْلِ هَذَا الْخِطَابِ، وَالْمُرَادُ التَّشْرِيعُ لِأُمَّتِهِ مَعَ بَعْضِ الشَّوَاهِدِ الْعَرَبِيَّةِ، وَقَوْلُهُ هُنَا: فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ الْآيَةَ، جَاءَ مَعْنَاهُ فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ ; كَقَوْلِهِ: لَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَخْذُولًا [١٧ ٢٢] وَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَدْحُورًا [١٧ ٣٩] وَقَوْلِهِ تَعَالَى: لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ [٣٩ ٦٥] إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ. هَذَا الْأَمْرُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ بِإِنْذَارِهِ خُصُوصَ عَشِيرَتِهِ الْأَقْرَبِينَ، لَا يُنَافِي الْأَمْرَ بِالْإِنْذَارِ الْعَامِّ، كَمَا دَلَّتْ عَلَى ذَلِكَ الْآيَاتُ الْقُرْآنِيَّةُ ; كَقَوْلِهِ تَعَالَى: تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا [٢٥ ١] وَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ [٦ ١٩] وَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْمًا لُدًّا [١٩ ٩٧] وَالْآيَاتُ بِمِثْلِ ذَلِكَ كَثِيرَةٌ.


الصفحة التالية
Icon