وَغَيْرُهُ. وَغَايَةُ مَا فِي هَذَا التَّفْسِيرِ حَذْفُ مُضَافٍ دَلَّ الْمَقَامُ عَلَيْهِ، وَهُوَ كَثِيرٌ فِي الْقُرْآنِ وَفِي كَلَامِ الْعَرَبِ، وَقَدْ أَشَارَ إِلَيْهِ فِي «الْخُلَاصَةِ» بِقَوْلِهِ:
وَمَا يَلِي الْمُضَافَ يَأْتِي خَلَفَا | عَنْهُ فِي الْإِعْرَابِ إِذَا مَا حُذِفَا |
وَقَوْلُهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: وَلَا نُشُورًا، اعْلَمْ أَنَّ النُّشُورَ يُطْلَقُ فِي الْعَرَبِيَّةِ إِطْلَاقَيْنِ:
الْأَوَّلُ: أَنْ يَكُونَ مَصْدَرَ نَشَرَ الثُّلَاثِيِّ الْمُتَعَدِّي، تَقُولُ: نَشَرَ اللَّهُ الْمَيِّتَ يَنْشُرُهُ نَشْرًا وَنُشُورًا.
وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ مَصْدَرَ نَشَرَ الْمَيِّتُ يَنْشُرُ نُشُورًا لَازِمًا، وَالْمَيِّتُ فَاعِلُ نَشَرَ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ فِي الْمَادَّةِ ثَلَاثَ لُغَاتٍ، الْأُولَى: أَنْشَرَهُ رُبَاعِيًّا بِالْهَمْزَةِ يَنْشُرُهُ بِضَمِّ الْيَاءِ إِنْشَارًا، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ [٨٠ ٢٢] وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا [٢ ٢٥٩] بِضَمِّ النُّونِ وَبِالرَّاءِ الْمُهْمِلَةِ فِي قِرَاءَةِ نَافِعٍ، وَابْنِ كَثِيرٍ، وَأَبِي عَمْرٍو، وَهُوَ مُضَارِعُ أَنْشَرَهُ. وَالثَّانِيَةُ: نَشَرَ اللَّهُ الْمَيِّتَ يَنْشُرُهُ بِصِيغَةِ الثُّلَاثِيِّ الْمُتَعَدِّي، وَالْمَصْدَرُ فِي هَذِهِ اللُّغَةِ النَّشْرُ وَالنُّشُورُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ هُنَا: حَيَاةً وَلَا نُشُورًا، أَيْ لَا يَمْلِكُونَ أَنْ يَنْشُرُوا أَحَدًا، بِفَتْحِ الْيَاءِ وَضَمِّ الشِّينِ. وَالثَّالِثَةُ: نَشَرَ الْمَيِّتُ بِصِيغَةِ الثُّلَاثِيِّ اللَّازِمِ، وَمَعْنَى أَنْشَرَهُ وَنَشَرَهُ مُتَعَدِّيًا: أَحْيَاهُ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَمَعْنَى نَشَرَ الْمَيِّتُ لَازِمًا: حَيِيَ الْمَيِّتُ وَعَاشَ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَإِطْلَاقُ النَّشْرِ وَالنُّشُورِ عَلَى الْإِحْيَاءِ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَإِطْلَاقُ النُّشُورِ عَلَى الْحَيَاةِ بَعْدَ الْمَوْتِ مَعْرُوفٌ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ، وَمِنْ إِطْلَاقِهِمْ نَشَرَ الْمَيِّتُ لَازِمًا فَهُوَ نَاشِرٌ، أَيْ: عَاشَ بَعْدَ الْمَوْتِ، قَوْلُ الْأَعْشَى:
لَوْ أَسْنَدْتَ مَيِّتًا إِلَى نَحْرِهَا | عَاشَ وَلَمْ يُنْقَلْ إِلَى قَابِرِ |
حَتَّى يَقُولَ النَّاسُ مِمَّا رَأَوْا | يَا عَجَبًا لِلْمَيِّتِ النَّاشِرِ |