ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ. وَلَوْ كَانَ مَعْنَى الْآيَةِ وَمَا شَابَهَهَا: إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى، أَيِ: الَّذِينَ فَارَقَتْ أَرْوَاحُهُمْ أَبْدَانَهُمْ لَمَا كَانَ فِي ذَلِكَ تَسْلِيَةً لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا تَرَى.
وَاعْلَمْ: أَنَّ آيَةَ «النَّمْلِ» هَذِهِ جَاءَتْ آيَتَانِ أُخْرَيَانِ بِمَعْنَاهَا: الْأُولَى مِنْهُمَا: قَوْلُهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ «الرُّومِ» : فَإِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ وَمَا أَنْتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلَالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ [٣٠ ٥٢ - ٥٣] وَلَفْظُ آيَةِ «الرُّومِ» هَذِهِ كَلَفْظِ آيَةِ «النَّمْلِ» الَّتِي نَحْنُ بِصَدَدِهَا، فَيَكْفِي فِي بَيَانِ آيَةِ «الرُّومِ»، مَا ذَكَرْنَا فِي آيَةِ «النَّمْلِ».
وَالثَّانِيَةُ مِنْهُمَا: قَوْلُهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ «فَاطِرٍ» : إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ [٣٥ ٢٢] وَآيَةُ «فَاطِرٍ» هَذِهِ كَآيَةِ «النَّمْلِ» وَ «الرُّومِ» الْمُتَقَدِّمَتَيْنِ، لِأَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ فِيهَا: مَنْ فِي الْقُبُورِ الْمَوْتَى، فَلَا فَرْقَ بَيْنَ قَوْلِهِ: إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى، وَبَيْنَ قَوْلِهِ: وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ ; لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَوْتَى وَمَنْ فِي الْقُبُورِ وَاحِدٌ ; كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ [٢٢ ٧] أَيْ: يَبْعَثُ جَمِيعَ الْمَوْتَى مَنْ قُبِرَ مِنْهُمْ وَمَنْ لَمْ يُقْبَرْ، وَقَدْ دَلَّتْ قَرَائِنُ قُرْآنِيَّةٌ أَيْضًا عَلَى أَنَّ مَعْنَى آيَةِ «فَاطِرٍ» هَذِهِ كَمَعْنَى آيَةِ «الرُّومِ»، مِنْهَا قَوْلُهُ تَعَالَى قَبْلَهَا: إِنَّمَا تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ الْآيَةَ [٣٥ ١٨] لِأَنَّ مَعْنَاهَا: لَا يَنْفَعُ إِنْذَارُكَ إِلَّا مَنْ هُدَاهُ اللَّهُ وَوَفَّقَهُ فَصَارَ مِمَّنْ يَخْشَى رَبَّهُ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُ الصَّلَاةَ، وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ، أَيِ: الْمَوْتَى، أَيِ: الْكُفَّارَ الَّذِينَ سَبَقَ لَهُمُ الشَّقَاءُ كَمَا تَقَدَّمَ. وَمِنْهَا قَوْلُهُ تَعَالَى أَيْضًا: وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ [٣٥ ١٩] أَيِ: الْمُؤْمِنُ وَالْكَافِرُ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى بَعْدَهَا: وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ [٣٥ ٢٢] أَيِ: الْمُؤْمِنُونَ وَالْكُفَّارُ. وَمِنْهَا قَوْلُهُ تَعَالَى بَعْدَهُ: إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ [٥٢ ٢٣] أَيْ: لَيْسَ الْإِضْلَالُ وَالْهُدَى بِيَدِكَ مَا أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ، أَيْ: وَقَدْ بَلَّغْتَ.
التَّفْسِيرُ الثَّانِي: هُوَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَوْتَى الَّذِينَ مَاتُوا بِالْفِعْلِ، وَلَكِنَّ الْمُرَادَ بِالسَّمَاعِ الْمَنْفِيِّ فِي قَوْلِهِ: إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى خُصُوصُ السَّمَاعِ الْمُعْتَادِ الَّذِي يَنْتَفِعُ صَاحِبُهُ بِهِ، وَأَنَّ هَذَا مَثَلٌ ضُرِبَ لِلْكُفَّارِ، وَالْكُفَّارُ يَسْمَعُونَ الصَّوْتَ، لَكِنْ لَا يَسْمَعُونَ سَمَاعَ قَبُولٍ بِفِقْهٍ وَاتِّبَاعٍ ; كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً


الصفحة التالية
Icon