بَاعِثُهُمْ، وَمُجَازِيهِمْ عَلَى أَعْمَالِهِمْ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرُ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ هَذَا، فَكَانُوا غَافِلِينَ عَنِ الْآخِرَةِ، كَافِرِينَ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى فِي الْآيَاتِ الْمَذْكُورَةِ: وَمَا بَيْنَهُمَا، أَيْ: مَا بَيْنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، يَدْخُلُ فِيهِ السَّحَابُ الْمُسَخَّرُ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَالْهَوَاءُ الَّذِي لَا غِنَى لِلْحَيَوَانِ عَنِ اسْتِنْشَاقِهِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ، إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ.
قَدْ قَدَّمْنَا الْآيَاتِ الْمُوَضِّحَةَ لَهُ فِي سُورَةِ «الْحِجْرِ»، فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ [١٥ ٧٦]. وَفِي «الْمَائِدَةِ»، فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ الْآيَةَ [٥ ٣٢]. وَفِي «هُودٍ»، فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ [١ ٨٣]. وَفِي «الْإِسْرَاءِ»، فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ الْآيَةَ [١٧ ١٧]، وَفِي غَيْرِ ذَلِكَ.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى فِي آيَةِ «الرُّومِ» هَذِهِ: كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا [٣٠ ٩]، جَاءَ مُوَضِّحًا فِي آيَاتٍ أُخَرَ ; كَقَوْلِهِ تَعَالَى: أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الْأَرْضِ فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ [٤٠ ٨٢]، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوءَى أَنْ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِئُونَ.
قَرَأَ هَذَا الْحَرْفَ نَافِعٌ وَابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو عَمْرٍو: كَانَ عَاقِبَةُ، بِضَمِّ التَّاءِ اسْمُ كَانَ، وَخَبَرُهَا السُّوءَى. وَقَرَأَهُ ابْنُ عَامِرٍ، وَعَاصِمٌ، وَحَمْزَةُ، وَالْكِسَائِيُّ: ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ، بِفَتْحِ التَّاءِ خَبَرُ كَانَ قُدِّمَ عَلَى اسْمِهَا عَلَى حَدِّ قَوْلِهِ فِي «الْخُلَاصَةِ» : وَفِي جَمِيعِهَا تَوَسَّطَ الْخَبَرُ أَجِزْ........
وَعَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَةِ فَـ السُّوءَى اسْمُ كَانَ، وَإِنَّمَا جُرِّدَ الْفِعْلُ مِنَ التَّاءِ مَعَ أَنَّ السُّوءَى مُؤَنَّثَةٌ لِأَمْرَيْنِ:


الصفحة التالية
Icon