الْكِسْوَةِ أَنْ تَكُونَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تَكْسُونَ أَهْلِيكُمْ.
الْحَالَةُ الرَّابِعَةُ: أَنْ يَخْتَلِفَا فِي الْحُكْمِ وَالسَّبَبِ مَعًا، وَلَا حَمْلَ فِي هَذِهِ إِجْمَاعًا وَهُوَ وَاضِحٌ، وَهَذَا فِيمَا إِذَا كَانَ الْمُقَيَّدُ وَاحِدًا. أَمَّا إِذَا وَرَدَ مُقَيَّدَانِ بِقَيْدَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ، فَلَا يُمْكِنُ حَمْلُ الْمُطْلَقِ عَلَى كِلَيْهِمَا لِتَنَافِي قَيْدَيْهِمَا، وَلَكِنَّهُ يُنْظَرُ فِيهِمَا، فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَقْرَبُ لِلْمُطْلَقِ مِنَ الْآخَرِ حُمِلَ الْمُطْلَقُ عَلَى الْأَقْرَبِ لَهُ مِنْهُمَا عِنْدَ جَمَاعَةٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ، فَيُقَيَّدُ بِقَيْدِهِ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَحَدُهُمَا أَقْرَبُ لَهُ، فَلَا يُقَيَّدُ بِقَيْدٍ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَيَبْقَى عَلَى إِطْلَاقِهِ إِذْ لَا تَرْجِيحَ بِلَا مُرَجَّحٍ، وَمِثَالُ كَوْنِ أَحَدِهِمَا أَقْرَبَ لِلْمُطْلَقِ مِنَ الْآخَرِ صَوْمُ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ، فَإِنَّهُ مُطْلَقٌ عَنْ قَيْدِ التَّتَابُعِ وَالتَّفْرِيقِ، مَعَ أَنَّ صَوْمَ الظِّهَارِ مُقَيَّدٌ بِالتَّتَابُعِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ [٥٨ ٤]، وَصَوْمَ التَّمَتُّعِ مُقَيَّدٌ بِالتَّفْرِيقِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ [٢ ١٩٦]، وَالْيَمِينُ أَقْرَبُ إِلَى الظِّهَارِ مِنَ التَّمَتُّعِ ; لِأَنَّ كُلًّا مِنْ صَوْمِ الظِّهَارِ وَالْيَمِينِ صَوْمُ كَفَّارَةٍ بِخِلَافِ صَوْمِ التَّمَتُّعِ، فَيُقَيَّدُ صَوْمُ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ بِالتَّتَابُعِ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِذَلِكَ، وَلَا يُقَيَّدُ بِالتَّفْرِيقِ الَّذِي فِي صَوْمِ التَّمَتُّعِ.
وَقِرَاءَةُ ابْنِ مَسْعُودٍ: [فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مُتَتَابِعَاتٍ] لَمْ تَثْبُتْ ; لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ عَلَى عَدَمِ كَتْبِ مُتَتَابِعَاتٍ فِي الْمَصَاحِفِ الْعُثْمَانِيَّةِ، وَمِثَالُ كَوْنِهِمَا لَيْسَ أَحَدُهُمَا أَقْرَبُ لِلْمُطْلَقِ مِنَ الْآخَرِ: صَوْمُ قَضَاءِ رَمَضَانَ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ فِيهِ: فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [٢ ١٨٥]، وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِتَتَابُعٍ وَلَا تَفْرِيقٍ، مَعَ أَنَّهُ تَعَالَى قَيَّدَ صَوْمَ الظِّهَارِ بِالتَّتَابُعِ، وَصَوْمَ التَّمَتُّعِ بِالتَّفْرِيقِ، وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا أَقْرَبَ إِلَى صَوْمِ قَضَاءِ رَمَضَانَ مِنَ الْآخَرِ، فَلَا يُقَيَّدُ بِقَيْدٍ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَلْ يَبْقَى عَلَى الِاخْتِيَارِ، إِنْ شَاءَ تَابَعَهُ، وَإِنْ شَاءَ فَرَّقَهُ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى. انْتَهَى مِنْ «دَفْعُ إِيهَامِ الِاضْطِرَابِ عَنْ آيَاتِ الْكِتَابِ»، مَعَ زِيَادَةٍ يَسِيرَةٍ لِلْإِيضَاحِ.
الْفَرْعُ الثَّانِي: اعْلَمْ أَنَّ أَهْلَ الْعِلْمِ اخْتَلَفُوا فِي رَقَبَةِ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ، هَلْ يُشْتَرَطُ فِيهَا سَلَامَتُهَا مِنَ الْعُيُوبِ أَوْ لَا؟ فَحُكِيَ عَنْ دَاوُدَ الظَّاهِرِيِّ أَنَّهُ جَوَّزَ كُلَّ رَقَبَةٍ يَقَعُ عَلَيْهَا الِاسْمُ، وَلَوْ كَانَتْ مَعِيبَةً بِكُلِّ الْعُيُوبِ تَمَسُّكًا بِإِطْلَاقِ الرَّقَبَةِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ، قَالَ: ظَاهِرُهُ وَلَوْ مَعِيبَةً ; لِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يُقَيِّدِ الرَّقَبَةَ بِشَيْءٍ.
وَذَهَبَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى اشْتِرَاطِ السَّلَامَةِ مِنَ الْعُيُوبِ الْقَوِيَّةِ مَعَ اخْتِلَافِهِمْ فِي بَعْضِ الْعُيُوبِ، قَالُوا: يُشْتَرَطُ سَلَامَتُهَا مِنَ الْعُيُوبِ الْمُضِرَّةِ بِالْعَمَلِ ضَرَرًا بَيِّنًا ; لِأَنَّ الْمَقْصُودَ


الصفحة التالية
Icon