زَيْنَبَ فِي قَلْبِهِ وَمَحَبَّتُهُ لَهَا، وَهِيَ تَحْتَ زَيْدٍ، وَأَنَّهَا سَمِعَتْهُ قَالَ: «سُبْحَانَ مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ» إِلَى آخِرِ الْقِصَّةِ، كُلُّهُ لَا صِحَّةَ لَهُ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ اللَّهَ لَمْ يُبِدِ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا، مَعَ أَنَّهُ صَرَّحَ بِأَنَّهُ مُبْدِي مَا أَخْفَاهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، انْتَهَى مَحَلُّ الْغَرَضِ مِنْ كَلَامِنَا فِي تَرْجَمَةِ هَذَا الْكِتَابِ الْمُبَارَكِ.
وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ: وَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي تَأْوِيلِ هَذِهِ الْآيَةِ، فَذَهَبَ قَتَادَةُ وَابْنُ زَيْدٍ وَجَمَاعَةٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ مِنْهُمُ الطَّبَرَيُّ وَغَيْرُهُ إِلَى أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَعَ مِنْهُ اسْتِحْسَانٌ لِزَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ وَهِيَ فِي عِصْمَةِ زَيْدٍ، وَكَانَ حَرِيصًا عَلَى أَنْ يُطَلِّقَهَا زَيْدٌ فَيَتَزَوَّجَهَا هُوَ، إِلَى أَنْ قَالَ: وَهَذَا الَّذِي كَانَ يُخْفِي فِي نَفْسِهِ، وَلَكِنَّهُ لَزِمَ مَا يَجِبُ مِنَ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ، يَعْنِي قَوْلَهُ: أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ [٣٣ ٣٧]، اهـ. وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ غَيْرُ صَحِيحٍ، وَأَنَّهُ غَيْرُ لَائِقٍ بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَنَقَلَ الْقُرْطُبِيُّ نَحْوَهُ عَنْ مُقَاتِلٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا، وَذَكَرَ الْقُرْطُبِيُّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ أَنَّ اللَّهَ أَوْحَى إِلَى نَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ زَيْدًا سَيُطَلِّقُ زَيْنَبَ، وَأَنَّ اللَّهَ يُزَوِّجُهَا رَسُولَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَبَعْدَ أَنْ عَلِمَ هَذَا بِالْوَحْيِ. قَالَ لِزَيْدٍ: «أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ». وَأَنَّ الَّذِي أَخْفَاهُ فِي نَفْسِهِ، هُوَ أَنَّ اللَّهَ سَيُزَوِّجُهُ زَيْنَبَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، ثُمَّ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ هَذَا الْقَوْلَ: قَالَ عُلَمَاؤُنَا رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ: وَهَذَا الْقَوْلُ أَحْسَنُ مَا قِيلَ فِي تَأْوِيلِ هَذِهِ الْآيَةِ. وَهُوَ الَّذِي عَلَيْهِ أَهْلُ التَّحْقِيقِ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ، وَالْعُلَمَاءِ الرَّاسِخِينَ، كَالزُّهْرِيِّ، وَالْقَاضِي بَكْرِ بْنِ الْعَلَاءِ الْقُشَيْرِيِّ، وَالْقَاضِي أَبِي بَكْرِ بْنِ الْعَرَبِيِّ وَغَيْرِهِمْ، إِلَى أَنْ قَالَ: فَأَمَّا مَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَوَى زَيْنَبَ امْرَأَةِ زَيْدٍ، وَرُبَّمَا أَطْلَقَ بَعْضُ الْمُجَّانِ لَفْظَ عِشْقٍ، فَهَذَا إِنَّمَا يَصْدُرُ عَنْ جَاهِلٍ بِعِصْمَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ مِثْلِ هَذَا أَوْ مُسْتَخِفٍّ بِحُرْمَتِهِ.
قَالَ التِّرْمِذِيُّ الْحَكِيمُ فِي نَوَادِرِ الْأُصُولِ وَأَسْنَدَ إِلَى عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ قَوْلَهُ: فَعَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ جَاءَ بِهَذَا مِنْ خِزَانَةِ الْعِلْمِ جَوْهَرًا مِنَ الْجَوَاهِرِ وَدُرًّا مِنَ الدُّرَرِ أَنَّهُ إِنَّمَا عَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي أَنَّهُ قَدْ أَعْلَمَهُ أَنَّ سَتَكُونَ هَذِهِ مِنْ أَزْوَاجِهِ، فَكَيْفَ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ لِزَيْدٍ: «أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ»، وَأَخَذَتْكَ خَشْيَةُ النَّاسِ أَنْ يَقُولُوا: تَزَوَّجَ امْرَأَةَ ابْنِهِ، وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ، انْتَهَى مَحَلُّ الْغَرَضِ مِنْهُ.
وَقَالَ ابْنُ كَثِيرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ: ذَكَرَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَابْنُ جَرِيرٍ هَاهُنَا آثَارًا عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، أَحْبَبْنَا أَنْ نَضْرِبَ عَنْهَا صَفْحًا لِعَدَمِ صِحَّتِهَا، فَلَا نُورِدُهَا


الصفحة التالية
Icon