مَجْرُورٌ بِحَرْفِ قَسَمٍ مَحْذُوفٍ، وَهُوَ كَمَا تَرَى، فَسُقُوطُهُ ظَاهِرٌ.
وَكَذَلِكَ قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَ ص بِفَتْحِ الدَّالِّ مِنْ غَيْرِ تَنْوِينٍ، فَهِيَ قِرَاءَةٌ شَاذَّةٌ وَالتَّفَاسِيرُ الْمَبْنِيَّةُ عَلَيْهَا سَاقِطَةٌ.
كَقَوْلِ مَنْ قَالَ: صَادَ مُحَمَّدٌ قُلُوبَ النَّاسِ وَاسْتَمَالَهُمْ حَتَّى آمَنُوا بِهِ.
وَقَوْلِ مَنْ قَالَ: هُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى الْإِغْرَاءِ.
أَيِ الْزَمُوا صَادَ، أَيْ هَذِهِ السُّورَةِ، وَقَوْلِ مَنْ قَالَ مَعْنَاهُ اتْلُ، وَقَوْلِ مَنْ قَالَ: إِنَّهُ مَنْصُوبٌ بِنَزْعِ الْخَافِضِ، الَّذِي هُوَ حَرْفُ الْقَسَمِ الْمَحْذُوفُ.
وَأَقْرَبُ الْأَقْوَالِ عَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَاتِ الشَّاذَّةِ، أَنَّ الدَّالَّ فُتِحَتْ تَخْفِيفًا لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ، وَاخْتِيرَ فِيهَا الْفَتْحُ إِتْبَاعًا لِلصَّادِّ، وَلِأَنَّ الْفَتْحَ أَخَفُّ الْحَرَكَاتِ، وَهَذِهِ الْقِرَاءَةُ الْمَذْكُورَةُ قِرَاءَةُ عِيسَى بْنِ عُمَرَ، وَتُرْوَى عَنْ مَحْبُوبٍ عَنْ أَبِي عَمْرٍو.
وَكَذَلِكَ قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَ صَادُ بِضَمِّ الدَّالِّ مِنْ غَيْرِ تَنْوِينٍ، عَلَى أَنَّهُ عَلَمٌ لِلسُّورَةِ، وَأَنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، وَالتَّقْدِيرُ هَذِهِ صَادُ وَأَنَّهُ مُنِعَ مِنَ الصَّرْفِ لِلْعَلَمِيَّةِ وَالتَّأْنِيثِ ; لِأَنَّ السُّورَةَ مُؤَنَّثَةٌ لَفْظًا.
وَهَذِهِ الْقِرَاءَةُ مَرْوِيَّةٌ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصَرِيِّ وَابْنِ السَّمَيْقَعِ وَهَارُونَ الْأَعْوَرِ.
وَمَنْ قَرَأَ صَادَ بِفَتْحِ الدَّالِّ قَرَأَ: ق، وَن كَذَلِكَ، وَكَذَلِكَ مَنْ قَرَأَهَا ص بِضَمِّ الدَّالِّ فَإِنَّهُ قَرَأَ ق: وَن بِضَمِّ الْفَاءِ وَالنُّونِ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ جَمِيعَ هَذِهِ الْقِرَاءَاتِ، وَجَمِيعَ هَذِهِ التَّفَاسِيرِ الْمَبْنِيَّةِ عَلَيْهَا، كُلُّهَا سَاقِطَةٌ، لَا مُعَوَّلَ عَلَيْهَا.
وَإِنَّمَا ذَكَرْنَاهَا لِأَجْلِ التَّنْبِيهِ عَلَى ذَلِكَ.
وَلَا شَكَّ أَنَّ التَّحْقِيقَ هُوَ مَا قَدَّمْنَا مِنْ أَنَّ ص مِنَ الْحُرُوفِ الْمُقَطَّعَةِ فِي أَوَائِلِ السُّوَرِ، وَأَنَّ الْقِرَاءَةَ الَّتِي لَا يَجُوزُ الْعُدُولُ عَنْهَا هِيَ قِرَاءَةُ الْجُمْهُورِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا.
وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: إِنَّ ص مِفْتَاحُ بَعْضِ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى كَالصَّبُورِ وَالصَّمَدِ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ مَعْنَاهُ: صَدَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا يُبَلِّغُ عَنِ اللَّهِ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ


الصفحة التالية
Icon