آدَمُ، ثُمَّ جَعَلَ مِنْ تِلْكَ النَّفْسِ، زَوْجَهَا يَعْنِي حَوَّاءَ. أَيْ: وَبَثَّ جَمِيعَ بَنِي آدَمَ مِنْهُمَا، وَأَوْضَحَ هَذَا فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ مِنْ كِتَابِهِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى فِي أَوَّلِ سُورَةِ النِّسَاءِ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً [٤ ١] وَقَوْلِهِ فِي الْأَعْرَافِ: هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا الْآيَةَ [٧ ١٨٩]، وَتَأْنِيثُ الْوَصْفِ، بِقَوْلِهِ وَاحِدَةٍ، مَعَ أَنَّ الْمَوْصُوفَ بِهِ مُذَكَّرٌ، وَهُوَ آدَمُ نَظَرًا إِلَى تَأْنِيثِ لَفْظِ النَّفْسِ، وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِهَا مُذَكَّرًا، وَنَظِيرُ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ قَوْلُهُ:

أَبُوكَ خَلِيفَةٌ وَلَدَتْهُ أُخْرَى وَأَنْتَ خَلِيفَةُ ذَاكَ الْكَمَالِ
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ. قَدْ قَدَّمْنَا إِيضَاحَ هَذِهِ الْأَزْوَاجِ الثَّمَانِيَةِ بِنَصِّ الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ [٣ ١٤].
قَوْلُهُ تَعَالَى: يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ. قَدْ قَدَّمْنَا الْآيَاتِ الْمُوَضِّحَةَ لَهُ فِي سُورَةِ الْحَجِّ، فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ الْآيَةَ [٢٢ ٥] وَبَيَّنَّا هُنَاكَ الْمُرَادَ بِالظُّلُمَاتِ الثَّلَاثِ الْمَذْكُورَةِ هُنَا.
قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ. قَدْ بَيَّنَ جَلَّ وَعَلَا، فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ، أَنَّهُ غَنِيٌّ عَنْ خَلْقِهِ الْغِنَى الْمُطْلِقَ، وَأَنَّهُ لَا يَضُرُّهُ كُفْرُهُمْ بِهِ، وَالْآيَاتُ الْمُوَضِّحَةُ لِهَذَا الْمَعْنَى كَثِيرَةٌ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى وَقَالَ مُوسَى إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ [١٤ ٨] وَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَكَفَرُوا وَتَوَلَّوْا وَاسْتَغْنَى اللَّهُ وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ [٦٤ ٦]، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْآيَةَ [١٠ ٦٨]. وَقَوْلِهِ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ [٣٥ ١٥] وَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ [٤٧ ٣٨]، وَقَدْ أَوْضَحْنَا هَذَا بِالْآيَاتِ فِي مَوَاضِعَ مُتَعَدِّدَةٍ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ الْمُبَارَكِ.


الصفحة التالية
Icon