قَوْلُهُ تَعَالَى: وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ. قَدْ قَدَّمْنَا الْآيَاتِ الْمُوَضِّحَةَ لَهُ فِي سُورَةِ النَّحْلِ فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنْ تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ الْآيَةَ [١٦ ٣٧]، وَفِي غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْمَوْضِعِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ. قَدْ قَدَّمْنَا الْآيَاتِ الْمُوَضِّحَةَ لَهُ فِي أَوَّلِ سُورَةِ الْكَهْفِ، فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا قَيِّمًا الْآيَةَ [١٨ ١ - ٢]. وَقَوْلُهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: قُرْآنًا انْتُصِبَ عَلَى الْحَالِ وَهِيَ حَالٌ مُؤَكَّدَةٌ، وَالْحَالُ فِي الْحَقِيقَةِ هُوَ عَرَبِيًّا، وَقُرْآنًا تَوْطِئَةٌ لَهُ وَقِيلَ انْتُصِبَ عَلَى الْمَدْحِ.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: عَرَبِيًّا، أَيْ: لِأَنَّهُ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ كَمَا قَالَ تَعَالَى: لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ [١٦ ١٠٣]. وَقَالَ تَعَالَى فِي أَوَّلِ سُورَةِ يُوسُفَ: إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ [٤٣ ٣]. وَقَالَ فِي أَوَّلِ الزُّخْرُفِ: إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ [٤٣ ٣]. وَقَالَ فِي طه وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا [٢٠ ١١٣] وَقَالَ تَعَالَى فِي فُصِّلَتْ: وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ [٤١ ٤٤] وَقَالَ تَعَالَى فِي الشُّعَرَاءِ: وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ [٢٦ ١٩٢ - ١٩٥] وَقَالَ تَعَالَى فِي سُورَةِ الشُّورَى: وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا الْآيَةَ [٤٢ ٧].
وَقَالَ تَعَالَى فِي الرَّعْدِ: وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَمَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا وَاقٍ [١٣ ٣٧] إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ.
وَهَذِهِ الْآيَاتُ الْقُرْآنِيَّةُ تَدُلُّ عَلَى شَرَفِ اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ وَعِظَمِهَا، دَلَالَةً لَا يُنْكِرُهَا إِلَّا مُكَابِرٌ.