إِنَّ الْمَرْءَ مَيِّتًا بِانْقِضَاءِ حَيَاتِهِ | وَلَكِنْ بِأَنْ يُبْغَى عَلَيْهِ فَيُخْذَلَا |
وَقَوْلُ الْآخَرِ:إِنَّ الْأُلَى وَصَفُوا قَوْمِي لَهُمْ فَبِهِمْ | هَذَا اعْتَصِمْ تَلْقَ مَنْ عَادَاكَ مَخْذُولَا |
وَمِنَ الْآيَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى أَنَّ الشَّيْطَانَ يَخْذُلُ الْإِنْسَانَ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِي مِنْ قَبْلُ [١٤ ٢٢] وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ الْآيَةَ [٨ ٤٨]. وَقَوْلُهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ: لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ الْأَظْهَرُ أَنَّ الذِّكْرَ الْقُرْآنُ، وَقَوْلُهُ: لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا الْعَرَبُ تُطْلِقُ لَفْظَةَ فُلَانٍ كِنَايَةً عَنِ الْعِلْمِ: أَيْ لَمْ أَتَّخِذْ أُبَيًّا أَوْ أُمَيَّةَ خَلِيلًا، وَيُكَنُّونَ عَنْ عَلَمِ الْأُنْثَى بِفُلَانَةَ، وَمِنْهُ قَوْلُ عُرْوَةَ بْنِ حِزَامٍ الْعُذْرِيِّ:
أَلَا قَاتَلَ اللَّهُ الْوُشَاةَ وَقَوْلَهُمْ | فُلَانَةُ أَضْحَتْ خَلَّةً لِفُلَانِ |
وَقَوْلُهُ: يَعَضُّ الظَّالِمُ مِنْ عَضِضَ بِكَسْرِ الْعَيْنِ فِي الْمَاضِي، يَعَضُّ بِفَتْحِهَا فِي الْمُضَارِعِ عَلَى الْقِيَاسِ، وَمِنْهُ قَوْلُ الْحَارِثِ بْنِ وَعْلَةَ الدِّهْلِيِّ:
الْآنَ لَمَّا ابْيَضَّ مَسْرَبَتِي | وَعَضِضْتُ مِنْ نَابِي عَلَى جَذْمِ |
فَإِنَّ الرِّوَايَةَ الْمَشْهُورَةَ فِي الْبَيْتِ عَضِضْتُ بِكَسْرِ الضَّادِ الْأَوْلَى وَفِيهَا لُغَةٌ بِفَتْحِ الْعَيْنِ فِي الْمَاضِي، وَالْكَسْرُ أَشْهَرُ، وَعَضَّ تَتَعَدَّى بِعَلَى كَمَا فِي الْآيَةِ وَبَيْتِ الْحَارِثِ بْنِ وَعْلَةَ الْمَذْكُورَيْنِ، وَرُبَّمَا عُدِّيَتْ بِالْبَاءِ وَمِنْهُ قَوْلُ ابْنِ أَبِي رَبِيعَةَ:
فَقَالَتْ وَعَضَّتْ بِالْبَنَانِ فَضَحْتَنِي | وَأَنْتَ امْرُؤٌ مَيْسُورُ أَمْرِكَ أَعْسَرُ |
وَهَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ قَرِينَ السُّوءِ قَدْ يُدْخِلُ قَرِينَهُ النَّارَ، وَالتَّحْذِيرُ مِنْ قَرِينِ السُّوءِ مَشْهُورٌ مَعْرُوفٌ، وَقَدْ بَيَّنَ جَلَّ وَعَلَا فِي سُورَةِ الصَّافَّاتِ أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ أَقْسَمَ بِاللَّهِ أَنَّ قَرِينَهُ كَادَ يُرْدِيهِ أَيْ يُهْلِكُهُ بِعَذَابِ النَّارِ، وَلَكِنْ لَطَفَ اللَّهُ بِهِ فَتَدَارَكَهُ بِرَحْمَتِهِ وَإِنْعَامِهِ فَهَدَاهُ وَأَنْقَذَهُ مِنَ النَّارِ، وَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنَّى كَانَ لِي