هَذِهِ الْآيَةِ مِنْ رَدِّهِ عَلَى مُوسَى خَوْفَهُ الْقَتْلَ مِنْ فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ، بِحَرْفِ الزَّجْرِ الَّذِي هُوَ كَلَّا، وَأَمَرَهُ أَنْ يَذْهَبَ هُوَ وَأَخُوهُ بِآيَاتِهِ مُبَيِّنًا لَهُمَا أَنَّ اللَّهَ مَعَهُمْ، أَيْ: وَهِيَ مَعِيَّةٌ خَاصَّةٌ بِالنَّصْرِ وَالتَّأْيِيدِ، وَأَنَّهُ مُسْتَمِعٌ لِكُلِّ مَا يَقُولُ لَهُمْ فِرْعَوْنُ، أَوْضَحَهُ أَيْضًا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ ; كَقَوْلِهِ تَعَالَى: قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى [٢٠ ٤٦] وَقَوْلِهِ تَعَالَى: قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَا أَنْتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ [٢٨ ٣٥].
قَوْلُهُ تَعَالَى: فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولَا إِنَّا رَسُولُ رَبِ الْعَالَمِينَ.
قَدْ قَدَّمْنَا الْآيَاتِ الْمُوَضِّحَةَ لَهُ فِي سُورَةِ «مَرْيَمَ»، وَ «طَهَ»، وَبَيَّنَّا فِي سُورَةِ «طَهَ»، فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: فَقُولَا إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ [٢٠ ٤٧] وَجْهَ تَثْنِيَتِهِ الرَّسُولَ فِي «طَهَ»، وَإِفْرَادِهِ هُنَا فِي «الشُّعَرَاءِ»، مَعَ شَوَاهِدِهِ الْعَرَبِيَّةِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا.
تَرْبِيَةُ فِرْعَوْنَ لِمُوسَى هَذِهِ الَّتِي ذَكَرَهَا لَهُ هِيَ الَّتِي ذُكِرَ مَبْدَؤُهَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَقَالَتِ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ [٢٨ ٩] وَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي الْآيَةَ [٢٠ ٣٩].
قَوْلُهُ تَعَالَى فِي كَلَامِ فِرْعَوْنَ لِمُوسَى: وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ.
أَبْهَمَ جَلَّ وَعَلَا هَذِهِ الْفِعْلَةَ الَّتِي فَعَلَهَا لِتَعْبِيرِهِ عَنْهَا بِالِاسْمِ الْمُبْهَمِ الَّذِي هُوَ الْمَوْصُولُ فِي قَوْلِهِ: الَّتِي فَعَلْتَ، وَقَدْ أَوْضَحَهَا فِي آيَاتٍ أُخَرَ، وَبَيَّنَ أَنَّ الْفِعْلَةَ الْمَذْكُورَةَ هِيَ قَتْلُهُ نَفْسًا مِنْهُمْ ; كَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ [٢٨ ١٥] وَقَوْلِهِ تَعَالَى: قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا الْآيَةَ [٢٨ ٣٣] وَقَوْلِهِ عَنِ الْإِسْرَائِيلِيِّ الَّذِي اسْتَغَاثَ بِمُوسَى مَرَّتَيْنِ: قَالَ يَامُوسَى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالْأَمْسِ إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّارًا فِي الْأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ [٢٨ ١٩].
وَأَظْهَرُ الْأَقْوَالِ عِنْدِي فِي مَعْنَى قَوْلِهِ: وَأَنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ، أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ كُفْرُ