كُنْتَ الْقَذَى فِي مَوْجِ أَكْدَرَ مُزْيِدٍ قَذَفَ الْأَتِيُّ بِهِ فَضَلَّ ضَلَالَا
وَقَوْلُ الْآخَرِ:
أَلَمْ تَسْأَلْ فَتُخْبِرْكَ الدِّيَارُ عَنِ الْحَيِّ الْمُضَلَّلِ أَيْنَ سَارُوا
وَزَعَمَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ لِلضَّلَالِ إِطْلَاقًا رَابِعًا، قَالَ: وَيُطْلَقُ أَيْضًا عَلَى الْمَحَبَّةِ، قَالَ: وَمِنْهُ قَوْلُهُ: قَالُوا تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلَالِكَ الْقَدِيمِ [١٢ ٩٥] قَالَ: أَيْ فِي حُبِّكَ الْقَدِيمِ لِيُوسُفَ، قَالَ: وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
هَذَا الضَّلَالُ أَشَابَ مِنِّي الْمَفْرِقَا وَالْعَارِضَيْنِ وَلَمْ أَكُنْ مُتَحَقِّقًا
عَجَبًا لِعِزَّةٍ فِي اخْتِيَارِ قَطِيعَتِي بَعْدَ الضَّلَالِ فَحَبْلُهَا قَدْ أُخْلِقَا
وَزَعَمَ أَيْضًا أَنَّ مِنْهُ قَوْلَهُ: وَوَجَدَكَ ضَالًّا [٩٣ ٧] قَالَ: أَيْ مُحِبٌّ لِلْهِدَايَةِ فَهَدَاكَ، وَلَا يَخْفَى سُقُوطُ هَذَا الْقَوْلِ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.
قَوْلُهُ تَعَالَى: فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ. خَوْفُهُ مِنْهُمْ هَذَا الَّذِي ذُكِرَ هُنَا أَنَّهُ سَبَبٌ لِفِرَارِهِ مِنْهُمْ، قَدْ أَوْضَحَهُ تَعَالَى وَبَيَّنَ سَبَبَهُ فِي قَوْلِهِ: وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَامُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ [٢٨ ٢٠ - ٢١] وَبَيَّنَ خَوْفَهُ الْمَذْكُورَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفًا يَتَرَقَّبُ الْآيَةَ [٢٨ ١٨].
قَوْلُهُ تَعَالَى: فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ. قَدْ قَدَّمْنَا الْآيَاتِ الْمُوَضِّحَةَ لِابْتِدَاءِ رِسَالَتِهِ الْمَذْكُورَةِ هُنَا فِي سُورَةِ «مَرْيَمَ»، وَغَيْرِهَا.
وَقَوْلُهُ: فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا، قَالَ بَعْضُهُمُ: الْحُكْمُ هُنَا هُوَ النُّبُوَّةُ، وَمِمَّنْ يُرْوَى عَنْهُ ذَلِكَ السُّدِّيُّ.
وَالْأَظْهَرُ عِنْدِي: أَنَّ الْحُكْمَ هُوَ الْعِلْمُ الَّذِي عَلَّمَهُ اللَّهُ إِيَّاهُ بِالْوَحْيِ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.
قَوْلُهُ تَعَالَى: قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ.


الصفحة التالية
Icon