أَيُشْرِكُونَ مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ [٧ ١٩١]. وَقَوْلِهِ - تَعَالَى -: الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ الْآيَةَ [٢٥ ٢ - ٣]. إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ.
قَوْلُهُ - تَعَالَى -: وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ بَلْ مَتَّعْتُ هَؤُلَاءِ وَآبَاءَهُمْ حَتَّى جَاءَهُمُ الْحَقُّ وَرَسُولٌ مُبِينٌ وَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ وَإِنَّا بِهِ كَافِرُونَ.
الضَّمِيرُ الْمَنْصُوبُ فِي (جَعَلَهَا) عَلَى التَّحْقِيقِ رَاجِعٌ إِلَى كَلِمَةِ الْإِيمَانِ الْمُشْتَمِلَةِ عَلَى مَعْنَى لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، الْمَذْكُورَةُ فِي قَوْلِهِ: إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي [٤٣ ٢٦ - ٢٧]. لِأَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ نَفْيٌ وَإِثْبَاتٌ، فَمَعْنَى النَّفْيِ مِنْهَا هُوَ الْبَرَاءَةُ مِنْ جَمِيعِ الْمَعْبُودَاتِ غَيْرَ اللَّهِ فِي جَمِيعِ أَنْوَاعِ الْعِبَادَاتِ.
وَهَذَا الْمَعْنَى جَاءَ مُوَضَّحًا فِي قَوْلِهِ: إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ.
وَمَعْنَى الْإِثْبَاتِ مِنْهَا هُوَ إِفْرَادُ اللَّهِ وَحْدَهُ بِجَمِيعِ أَنْوَاعِ الْعِبَادَاتِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي شَرَعَهُ عَلَى أَلْسِنَةِ رُسُلِهِ.
وَهَذَا الْمَعْنَى جَاءَ مُوَضَّحًا فِي قَوْلِهِ: إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ.
وَضَمِيرُ الْفَاعِلِ الْمُسْتَتِرُ فِي قَوْلِهِ: وَجَعَلَهَا.
قَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ رَاجِعٌ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَهُوَ ظَاهِرُ السِّيَاقِ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ رَاجِعٌ إِلَى اللَّهِ - تَعَالَى -.
فَعَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ فَالْمَعْنَى صَيَّرَ إِبْرَاهِيمَ تِلْكَ الْكَلِمَةَ (بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ) أَيْ وَلَدِهِ وَوَلَدِ وَلَدِهِ.
وَإِنَّمَا جَعَلَهَا إِبْرَاهِيمُ بَاقِيَةً فِيهِمْ، لِأَنَّهُ تَسَبَّبَ لِذَلِكَ بِأَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا: وَصَّيْتُهُ لِأَوْلَادِهِ بِذَلِكَ، وَصَارُوا يَتَوَارَثُونَ الْوَصِيَّةَ بِذَلِكَ عَنْهُ، فَيُوصِي بِهِ السَّلَفُ مِنْهُمُ الْخَلْفَ، كَمَا أَشَارَ - تَعَالَى - إِلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَابَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ الْآيَةَ [٢ ١٣٠ - ١٣٢]


الصفحة التالية
Icon