وَإِيضَاحُ هَذَا الْبُرْهَانِ بِاخْتِصَارٍ أَنَّ قَوْلَهُ - تَعَالَى -: فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ - أَمْرٌ مِنَ اللَّهِ - تَعَالَى - لِكُلِّ إِنْسَانٍ مُكَلَّفٍ أَنْ يَنْظُرَ وَيَتَأَمَّلَ فِي طَعَامِهِ، كَالْخَبْزِ الَّذِي يَأْكُلُ وَيَعِيشُ بِهِ، مِنْ خَلْقِ الْمَاءِ الَّذِي كَانَ سَبَبًا لِنَبَاتِهِ.
هَلْ يَقْدِرُ أَحَدٌ غَيْرُ اللَّهِ أَنْ يَخْلُقَهُ؟
الْجَوَابُ: لَا.
ثُمَّ هَبْ أَنَّ الْمَاءَ قَدْ خُلِقَ بِالْفِعْلِ، هَلْ يَقْدِرُ أَحَدٌ غَيْرُ اللَّهِ أَنْ يُنْزِلَهُ إِلَى الْأَرْضِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ الَّذِي يَحْصُلُ بِهِ النَّفْعُ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ بِإِنْزَالِهِ عَلَى الْأَرْضِ رَشًّا صَغِيرًا، حَتَّى تُرْوَى بِهِ الْأَرْضُ تَدْرِيجًا، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَحْصُلَ بِهِ هَدْمٌ وَلَا غَرَقٌ، كَمَا قَالَ - تَعَالَى -: فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ [٢٤ ٤٣] ؟.
الْجَوَابُ: لَا.
ثُمَّ هَبْ أَنَّ الْمَاءَ قَدْ خُلِقَ فِعْلًا، وَأُنْزِلَ فِي الْأَرْضِ عَلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ الْأَتَمِّ الْأَكْمَلِ، هَلْ يَقْدِرُ أَحَدٌ غَيْرُ اللَّهِ أَنْ يَشُقَّ الْأَرْضَ وَيُخْرِجَ مِنْهَا مِسْمَارَ النَّبَاتِ؟
الْجَوَابُ: لَا.
ثُمَّ هَبْ أَنَّ النَّبَاتَ خَرَجَ مِنَ الْأَرْضِ، وَانْشَقَّتْ عَنْهُ، فَهَلْ يَقْدِرُ أَحَدٌ غَيْرُ اللَّهِ أَنْ يُخْرِجَ السُّنْبُلَ مِنْ ذَلِكَ النَّبَاتِ؟
الْجَوَابُ: لَا.
ثُمَّ هَبْ أَنَّ السُّنْبُلَ خَرَجَ مِنَ النَّبَاتِ، فَهَلْ يَقْدِرُ أَحَدٌ غَيْرُ اللَّهِ أَنْ يُنَمِّيَ حَبَّهُ وَيَنْقُلَهُ مِنْ طَوْرٍ إِلَى طَوْرٍ حَتَّى يُدْرَكَ وَيَكُونَ صَالِحًا لِلْغِذَاءِ وَالْقُوتِ؟
الْجَوَابُ: لَا.
وَقَدْ قَالَ - تَعَالَى -: انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [٦ ٩٩]. وَكَقَوْلِهِ - تَعَالَى -: وَأَنْزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجًا لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَبَاتًا وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا [٧٨ ١٤ - ١٦]. وَقَوْلِهِ - تَعَالَى -: وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ [٣٦ ٣٣]. وَالْآيَاتُ بِمِثْلِ ذَلِكَ كَثِيرَةٌ مَعْلُومَةٌ.


الصفحة التالية
Icon