الْبَاطِلِ وَأَعْظَمِهِ، وَقَائِلُهُ مِنْ أَعْظَمِ النَّاسِ انْتِهَاكًا لِحُرْمَةِ كِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ.
وَالتَّحْقِيقُ الَّذِي لَا شَكَّ فِيهِ، وَهُوَ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَامَّةُ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْعُدُولُ عَنْ ظَاهِرِ كِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَالٍ مِنَ الْأَحْوَالِ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ، حَتَّى يَقُومَ دَلِيلٌ صَحِيحٌ شَرْعِيٌّ صَارِفٌ عَنِ الظَّاهِرِ إِلَى الْمُحْتَمَلِ الْمَرْجُوحِ.
وَالْقَوْلُ بِأَنَّ الْعَمَلَ بِظَاهِرِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مِنْ أُصُولِ الْكُفْرِ لَا يَصْدُرُ الْبَتَّةَ عَنْ عَالِمٍ بِكِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ، وَإِنَّمَا يَصْدُرُ عَمَّنْ لَا عِلْمَ لَهُ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ أَصْلًا ; لِأَنَّهُ لِجَهْلِهِ بِهِمَا يَعْتَقِدُ ظَاهِرَهُمَا كُفْرًا، وَالْوَاقِعُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ أَنَّ ظَاهِرَهُمَا بَعِيدٌ مِمَّا ظَنَّهُ أَشَدُّ مِنْ بَعْدِ الشَّمْسِ مِنَ اللَّمْسِ.
وَمِمَّا يُوَضِّحُ لَكَ ذَلِكَ: أَنَّ آيَةَ الْكَهْفِ هَذِهِ الَّتِي ظَنَّ الصَّاوِيُّ أَنَّ ظَاهِرَهَا حَلَّ الْأَيْمَانِ بِالتَّعْلِيقِ بِالْمَشِيئَةِ الْمُتَأَخِّرِ زَمَنُهَا عَنِ الْيَمِينِ، وَأَنَّ ذَلِكَ مُخَالِفٌ لِلْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ: وَبَنَى عَلَى ذَلِكَ أَنَّ الْعَمَلَ بِظَوَاهِرِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مِنْ أُصُولِ الْكُفْرِ، كُلُّهُ بَاطِلٌ لَا أَسَاسَ لَهُ.
وَظَاهِرُ الْآيَةِ بَعِيدٌ مِمَّا ظَنَّ، بَلِ الظَّنُّ الَّذِي ظَنَّهُ وَالزَّعْمُ الَّذِي زَعَمَهُ لَا تُشِيرُ الْآيَةُ إِلَيْهِ أَصْلًا، وَلَا تَدُلُّ عَلَيْهِ لَا بِدَلَالَةِ الْمُطَابَقَةِ، وَلَا التَّضَمُّنِ وَلَا الِالْتِزَامِ، فَضْلًا عَلَى أَنْ تَكُونَ ظَاهِرَةً فِيهِ.
وَسَبَبُ نُزُولِهَا يَزِيدُ ذَلِكَ إِيضَاحًا ; لِأَنَّ سَبَبَ نُزُولِ الْآيَةِ أَنَّ الْكُفَّارَ سَأَلُوا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنِ الرُّوحِ، وَأَصْحَابِ الْكَهْفِ، وَذِي الْقَرْنَيْنِ، فَقَالَ لَهُمْ: سَأُخْبِرُكُمْ غَدًا، وَلَمْ يَقُلْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، فَعَاتَبَهُ رَبُّهُ بِعَدَمِ تَفْوِيضِ الْأَمْرِ إِلَيْهِ، وَعَدَمِ تَعْلِيقِهِ بِمَشِيئَتِهِ - جَلَّ وَعَلَا - فَتَأَخَّرَ عَنْهُ الْوَحْيُ.
ثُمَّ عَلَّمَهُ اللَّهُ فِي الْآيَةِ الْأَدَبَ مَعَهُ، فِي قَوْلِهِ: وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ [١٨ ٢٣ - ٢٤].
ثُمَّ قَالَ لِنَبِيِّهِ: وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ [١٨ ٢٤]، يَعْنِي إِنْ قُلْتَ سَأَفْعَلُ كَذَا غَدًا، ثُمَّ نَسِيتَ أَنْ تَقُولَ: إِنْ شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ تَذَكَّرْتَ بَعْدَ ذَلِكَ، فَاذْكُرْ رَبَّكَ، أَيْ قُلْ: إِنْ شَاءَ اللَّهُ، أَيْ لِتَتَدَارَكَ بِذَلِكَ الْأَدَبَ مَعَ اللَّهِ الَّذِي فَاتَكَ عِنْدَ وَقْتِهِ، بِسَبَبِ النِّسْيَانِ، وَتَخْرُجَ مِنْ عُهْدَةِ النَّهْيِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ.


الصفحة التالية
Icon