الظُّلْمِ مُتَفَاقِمَهُ، سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَنْ ذَلِكَ عُلُوًّا كَبِيرًا.
وَهَذَا الْوَجْهُ وَالَّذِي قَبْلَهُ أَشَارَ لَهُمَا الزَّمَخْشَرِيُّ فِي سُورَةِ «الْأَنْفَالِ».
الْوَجْهُ الرَّابِعُ: مَا ذَكَرَهُ بَعْضُ عُلَمَاءِ الْعَرَبِيَّةِ وَبَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالنَّفْيِ فِي قَوْلِهِ: وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ نَفْيُ نِسْبَةِ الظُّلْمِ إِلَيْهِ ; لِأَنَّ صِيغَةَ فَعَّالٍ تُسْتَعْمَلُ مُرَادًا بِهَا النِّسْبَةُ، فَتُغْنِي عَنْ يَاءِ النَّسَبِ، كَمَا أَشَارَ لَهُ فِي الْخُلَاصَةِ بِقَوْلِهِ:
وَمَعَ فَاعِلٍ وَفَعَّالٍ فَعِلَ | فِي نَسَبٍ أَغْنَى عَنِ الْيَا فَقُبِلْ |
وَمَعْنَى الْبَيْتِ الْمَذْكُورِ أَنَّ الصِّيَغَ الثَّلَاثَةَ الْمَذْكُورَةَ فِيهِ الَّتِي هِيَ فَاعِلٌ كَظَالِمٍ وَفَعَّالٌ كَظَلَّامٍ وَفَعِلٌ كَفَرِحٍ - كُلٌّ مِنْهَا قَدْ تُسْتَعْمَلُ مُرَادًا بِهَا النِّسْبَةُ، فَيُسْتَغْنَى بِهَا عَنْ يَاءِ النَّسَبِ، وَمِثَالُهُ فِي فَاعِلٍ قَوْلُ الْحُطَيْئَةِ فِي هَجْوِهِ الزِّبْرِقَانِ بْنِ بَدْرٍ التَّمِيمِيِّ:
دَعِ الْمَكَارِمَ لَا تَرْحَلْ لِبُغْيَتِهَا | وَاقْعُدْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الطَّاعِمُ الْكَاسِ |
فَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: الطَّاعِمُ الْكَاسِي - النِّسْبَةُ، أَيْ ذُو طَعَامٍ وَكُسْوَةٍ. وَقَوْلُ الْآخَرِ - وَهُوَ مِنْ شَوَاهِدِ سِيبَوَيْهِ -:
وَغَرَرْتَنِي وَزَعَمْتَ أَنَّكَ | لَابِنٌ فِي الصَّيْفِ تَامِرْ |
أَيْ ذُو لَبَنٍ وَذُو تَمْرٍ. وَقَوْلُ نَابِغَةِ ذُبْيَانَ:
كِلِينِي لَهُمْ يَا أُمَيْمَةُ نَاصِبِ | وَلَيْلٍ أُقَاسِيهِ بَطِيءِ الْكَوَاكِبِ |
فَقَوْلُهُ:
«نَاصِبِ»، أَيْ ذُو نَصَبٍ. وَمِثَالُهُ فِي فَعَّالٍ قَوْلُ امْرِئِ الْقَيْسِ:
وَلَيْسَ بِذِي رُمْحٍ فَيَطْعَنُنِي بِهِ | وَلَيْسَ بِذِي سَيْفٍ وَلَيْسَ بِنَبَّالِ |
فَقَوْلُهُ: وَلَيْسَ بِنَبَّالٍ، أَيْ لَيْسَ بِذِي نَبْلٍ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ قَبْلَهُ: وَلَيْسَ بِذِي رُمْحٍ، وَلَيْسَ بِذِي سَيْفٍ.
وَقَالَ الْأُشْمُونِيُّ بَعْدَ الِاسْتِشْهَادِ بِالْبَيْتِ الْمَذْكُورِ: قَالَ الْمُصَنَّفُ - يَعْنِي ابْنَ مَالِكٍ -: وَعَلَى هَذَا حَمَلَ الْمُحَقِّقُونَ قَوْلَهُ - تَعَالَى -: وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ أَيْ بِذِي ظُلْمٍ. اهـ. ُُ