وَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ [٢٩ ٦٥].
وَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ [٣١ ٣٢].
وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي سُورَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ [١٧ ٦٧]، أَنَّ سَبَبَ إِسْلَامِ عِكْرِمَةَ بْنِ أَبِي جَهِلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ لَمَّا فَتَحَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَكَّةَ ذَهَبَ فَارًّا مِنْهُ إِلَى بِلَادِ الْحَبَشَةِ فَرَكِبَ فِي الْبَحْرِ مُتَوَجِّهًا إِلَى الْحَبَشَةِ فَجَاءَتْهُمْ رِيحٌ عَاصِفٌ، فَقَالَ الْقَوْمُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: إِنَّهُ لَا يُغْنِي عَنْكُمْ إِلَّا أَنْ تَدْعُوا اللَّهَ وَحْدَهُ. فَقَالَ عِكْرِمَةُ فِي نَفْسِهِ: وَاللَّهِ إِنْ كَانَ لَا يَنْفَعُ فِي الْبَحْرِ غَيْرُهُ، فَإِنَّهُ لَا يَنْفَعُ فِي الْبَرِّ غَيْرُهُ. اللَّهُمَّ لَكَ عَلَيَّ عَهْدٌ لَئِنْ أَخْرَجْتَنِي مِنْهُ لَأَذْهَبَنَّ فَلَأَضَعَنَّ يَدِي فِي يَدِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَأَجِدَنَّهُ رَءُوفًا رَحِيمًا، فَخَرَجُوا مِنَ الْبَحْرِ فَخَرَجَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَسْلَمَ وَحَسُنَ إِسْلَامُهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. انْتَهَى.
وَقَدْ قَدَّمْنَا هُنَاكَ أَنَّ بَعْضَ الْمُتَسَمِّينَ بِاسْمِ الْإِسْلَامِ أَسْوَأُ حَالًا مِنْ هَؤُلَاءِ الْكُفَّارِ الْمَذْكُورِينَ ; لِأَنَّهُمْ فِي وَقْتِ الشَّدَائِدِ يَلْجَئُونَ لِغَيْرِ اللَّهِ طَالِبِينَ مِنْهُ مَا يَطْلُبُ الْمُؤْمِنُونَ مِنَ اللَّهِ، وَبِمَا ذُكِرَ تَعْلَمُ أَنَّ مَا انْتَشَرَ فِي أَقْطَارِ الدُّنْيَا مِنَ الِالْتِجَاءِ فِي أَوْقَاتِ الْكُرُوبِ وَالشَّدَائِدِ إِلَى غَيْرِ اللَّهِ - جَلَّ وَعَلَا - كَمَا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ قُرْبَ قَبْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعِنْدَ قُبُورِ مَنْ يَعْتَقِدُونَ فِيهِمُ الصَّلَاحَ زَاعِمِينَ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ دِينِ اللَّهِ وَمَحَبَّةِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَتَعْظِيمِهِ وَمَحَبَّةِ الصَّالِحِينَ، كُلُّهُ مِنْ أَعْظَمِ الْبَاطِلِ، وَهُوَ انْتِهَاكٌ لِحُرُمَاتِ اللَّهِ وَحُرُمَاتِ رَسُولِهِ.
لِأَنَّ صَرْفَ الْحُقُوقِ الْخَاصَّةِ بِالْخَالِقِ الَّتِي هِيَ مِنْ خَصَائِصَ رُبُوبِيَّتِهِ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ غَيْرِهِ مِمَّنْ يُعْتَقَدُ فِيهِمُ الصَّلَاحُ - مُسْتَوْجِبٌ سَخَطَ اللَّهِ وَسَخَطَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَسَخَطَ كُلِّ مُتَّبِعٍ لَهُ بِالْحَقِّ.
وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ لَمْ يَأْمُرْ بِذَلِكَ هُوَ وَلَا أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَهُوَ مَمْنُوعٌ فِي شَرِيعَةِ كُلِّ نَبِيٍّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ، وَاللَّهُ - جَلَّ وَعَلَا - يَقُولُ: مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [٣ ٧٩ - ٨٠].