وَقَوْلُهُ: وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ فِيهِ وَجْهَانِ مِنَ التَّفْسِيرِ لِلْعُلَمَاءِ. أَحَدُهُمَا أَنَّ الْمَسْجُورَ هُوَ الْمُوقَدُ نَارًا، قَالُوا: وَسَيَضْطَرِمُ الْبَحْرُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ نَارًا، مِنْ هَذَا الْمَعْنَى قَوْلُهُ تَعَالَى: ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ [٤٠ ٧٢].
الْوَجْهُ الثَّانِي: هُوَ أَنَّ الْمَسْجُورَ بِمَعْنَى الْمَمْلُوءِ، لِأَنَّهُ مَمْلُوءٌ مَاءً، وَمِنْ إِطْلَاقِ الْمَسْجُورِ عَلَى الْمَمْلُوءِ قَوْلُ لَبِيدِ بْنِ رَبِيعَةَ فِي مُعَلَّقَتِهِ:
فَتَوَسَّطَا عُرْضَ السَّرِيِّ وَصَدَّعا | مَسْجُورَةً مُتَجَاوِرًا قُلَّامُهَا |
إِذَا شَاءَ طَالَعَ مَسْجُورَةً | تَرَى حَوْلَهَا النَّبْعَ وَالسَّاسَمَا |
وَقَوْلُهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ، قَدْ قَدَّمْنَا الْآيَاتِ الْمُوَضِّحَةَ لَهُ فِي أَوَّلِ الذَّارِيَاتِ، وَفِي غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْمَوَاضِعِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا هَذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ.
الدَّعُّ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ: الدَّفْعُ بِقُوَّةٍ وَعُنْفٍ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ، أَيْ يَدْفَعُهُ عَنْ حَقِّهِ بِقُوَّةٍ وَعُنْفٍ، وَقَدْ تَضَمَّنَتْ هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ أَمْرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْكُفَّارَ يُدْفَعُونَ إِلَى النَّارِ بِقُوَّةٍ وَعُنْفٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُمْ يُقَالُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تَوْبِيخًا وَتَقْرِيعًا: هَذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ [٥٢ ١٤].
وَهَذَانَ الْأَمْرَانِ الْمَذْكُورَانِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ جَاءَا مُوَضَّحَيْنِ فِي آيَاتٍ أُخَرَ، أَمَّا