قَوْلُهُ تَعَالَى: الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ.
الْحُسْبَانُ: مَصْدَرٌ زِيدَتْ فِيهِ الْأَلِفُ وَالنُّونُ، كَمَا زِيدَتْ فِي الطُّغْيَانِ وَالرُّجْحَانِ وَالْكُفْرَانِ، فَمَعْنَى بِحُسْبَانٍ أَيْ بِحِسَابٍ وَتَقْدِيرٍ مِنَ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ، وَذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَنِعَمِهِ أَيْضًا عَلَى بَنِي آدَمَ، لِأَنَّهُمْ يَعْرِفُونَ بِهِ الشُّهُورَ وَالسِّنِينَ وَالْأَيَّامَ، وَيَعْرِفُونَ شَهْرَ الصَّوْمِ وَأَشْهُرَ الْحَجِّ وَيَوْمَ الْجُمُعَةِ وَعِدَدَ النِّسَاءِ اللَّاتِي تَعْتَدُّ بِالشُّهُورِ، كَالْيَائِسَةِ وَالصَّغِيرَةِ وَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا.
وَهَذَا الْمَعْنَى الَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ جَاءَ مُوَضَّحًا فِي آيَاتٍ أُخَرَ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ [١٠ ٥].
وَقَدْ قَدَّمْنَا الْآيَاتِ الْمُوَضِّحَةَ لِهَذَا فِي سُورَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ [١٧ ١٢].
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ.
اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْمُرَادِ بِالنَّجْمِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، فَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: النَّجْمُ هُوَ مَا لَا سَاقَ لَهُ مِنَ النَّبَاتِ كَالْبُقُولِ، وَالشَّجَرُ هُوَ مَا لَهُ سَاقٌ، وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: الْمُرَادُ بِالنَّجْمِ نُجُومُ السَّمَاءِ.
قَالَ مُقَيِّدُهُ عَفَا اللَّهُ عَنْهُ وَغَفَرَ لَهُ: الَّذِي يَظْهَرُ لِي صَوَابُهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالنَّجْمِ هُوَ نُجُومُ السَّمَاءِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ - جَلَّ وَعَلَا - فِي سُورَةِ الْحَجِّ صَرَّحَ بِسُجُودِ نُجُومِ السَّمَاءِ وَالشَّجَرِ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِي آيَةٍ مِنْ كِتَابِهِ سُجُودَ مَا لَيْسَ لَهُ سَاقٌ مِنَ النَّبَاتِ بِخُصُوصِهِ. وَنَعْنِي بِآيَةِ الْحَجِّ قَوْلَهُ تَعَالَى: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ الْآيَةَ [٢٢ ١٨].
فَدَلَّتْ هَذِهِ الْآيَةُ أَنَّ السَّاجِدَ مِنَ الشَّجَرِ فِي آيَةِ الرَّحْمَنِ هُوَ النُّجُومُ السَّمَاوِيَّةُ الْمَذْكُورَةُ مَعَ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ فِي سُورَةِ الْحَجِّ. وَخَيْرُ مَا يُفَسَّرُ بِهِ الْقُرْآنُ الْقُرْآنُ، وَعَلَى هَذَا الَّذِي اخْتَرْنَاهُ فَالْمُرَادُ بِالنَّجْمِ النُّجُومُ، وَقَدْ قَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَيْهِ فِي أَوَّلِ سُورَةِ النَّجْمِ،


الصفحة التالية
Icon