وَمِنْ هَذَا الْمَعْنَى قَوْلُهُمْ: حَمَلَ الْفَارِسُ عَلَى قِرْنِهِ فَمَا كَذَبَ، أَيْ: مَا تَأَخَّرَ وَلَا تَخَلَّفَ وَلَا جَبُنَ.
وَمِنْهُ قَوْلُ زُهَيْرٍ:
لَيْثٌ بَعْثَرٌّ يَصْطَادُ الرِّجَالَ إِذَا | مَا كَذَبَ اللَّيْثُ عَنْ أَقْرَانِهِ صَدَقَا |
الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ اللَّامَ فِي قَوْلِهِ: لِوَقْعَتِهَا ظَرْفِيَّةٌ، وَكَاذِبَةٌ اسْمُ فَاعِلِ صِفَةٍ لِمَحْذُوفٍ أَيْ لَيْسَ فِي وَقْعَةِ الْوَاقِعَةِ نَفْسٌ كَاذِبَةٌ بَلْ جَمِيعُ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ صَادِقُونَ بِالِاعْتِرَافِ بِالْقِيَامَةِ مُصَدِّقُونَ بِهَا لَيْسَ فِيهِمْ نَفْسٌ كَاذِبَةٌ بِإِنْكَارِهَا وَلَا مُكَذِّبَةٌ بِهَا.
وَهَذَا الْمَعْنَى تَشْهَدُ لَهُ فِي الْجُمْلَةِ آيَاتٌ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: لَا يُؤْمِنُونَ بِهِ حَتَّى يَرَوْا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ [٢٦ ٢٠١]، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ [٢٢ ٥٥].
وَقَدْ قَدَّمْنَا الْآيَاتِ الْمُوَضِّحَةَ لِهَذَا فِي سُورَةِ النَّمْلِ فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ [٢٧ ٦٦]، وَبَاقِي الْأَوْجُهِ قَدْ يَدُلُّ عَلَى مَعْنَاهُ قُرْآنٌ وَلَكِنَّهُ لَا يَخْلُو مِنْ بُعْدٍ عِنْدِي، وَلِذَا لَمْ أَذْكُرْهُ، وَأَقْرَبُهَا عِنْدِي الْأَوَّلُ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ.
خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أَيْ هِيَ خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ، وَمَفْعُولُ كُلٍّ مِنَ الْوَصْفَيْنِ مَحْذُوفٌ.
قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: تَقْدِيرُهُ هِيَ خَافِضَةٌ أَقْوَامًا فِي دَرَكَاتِ النَّارِ، رَافِعَةٌ أَقْوَامًا إِلَى الدَّرَجَاتِ الْعُلَى إِلَى الْجَنَّةِ، وَهَذَا الْمَعْنَى قَدْ دَلَّتْ عَلَيْهِ آيَاتٌ كَثِيرَةٌ كَقَوْلِهِ: إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ [٤ ١٤٥]، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: