أَيْ صِرْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً، وَالْعَرَبُ تُطْلِقُ كَانَ بِمَعْنَى صَارَ، وَمِنْهُ وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ [٢ ٣٥]، أَيْ فَتَصِيرَا مِنَ الظَّالِمِينَ.
وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:

بِتَيْهَاءَ قَفْرٍ وَالْمَطِيُّ كَأَنَّهَا قَطَا الْحَزْنِ قَدْ كَانَتْ فِرَاخًا بُيُوضُهَا
وَقَوْلُهُ: أَزْوَاجًا: أَيْ أَصْنَافًا ثَلَاثَةً، ثُمَّ بَيَّنَ هَذِهِ الْأَزْوَاجَ الثَّلَاثَةَ بِقَوْلِهِ: فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ [٥٦ ٨ - ١٢]، أَمَّا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ فَهُمْ أَصْحَابُ الْيَمِينِ، كَمَا أَوْضَحَهُ تَعَالَى بِقَوْلِهِ: وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ [٥٦ ٢٧ - ٢٨]، وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ هُمْ أَصْحَابُ الشِّمَالِ كَمَا أَوْضَحَهُ تَعَالَى بِقَوْلِهِ: وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ الْآيَاتِ [٥٦ ٤١ - ٤٢].
قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: قِيلَ لَهُمْ أَصْحَابُ الْيَمِينِ لِأَنَّهُمْ يُؤْتَوْنَ كُتُبَهُمْ بِأَيْمَانِهِمْ.
وَقِيلَ: لِأَنَّهُمْ يُذْهَبُ بِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ إِلَى الْجَنَّةِ.
وَقِيلَ: لِأَنَّهُمْ عَنْ يَمِينِ أَبِيهِمْ آدَمَ، كَمَا رَآهُمُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَذَلِكَ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ.
وَقِيلَ: سُمُّوا أَصْحَابَ الْيَمِينِ وَأَصْحَابَ الْمَيْمَنَةِ لِأَنَّهُمْ مَيَامِينُ، أَيْ مُبَارَكُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ، لِأَنَّهُمْ أَطَاعُوا رَبَّهُمْ فَدَخَلُوا الْجَنَّةَ، وَالْيُمْنُ الْبَرَكَةُ.
وَسُمِّيَ الْآخَرُونَ أَصْحَابَ الشِّمَالِ، وَقِيلَ: لِأَنَّهُمْ يُؤْتَوْنَ كُتُبَهُمْ بِشَمَائِلِهِمْ.
وَقِيلَ: لِأَنَّهُمْ يُذْهَبُ بِهِمْ ذَاتَ الشِّمَالِ إِلَى النَّارِ، وَالْعَرَبُ تُسَمِّي الشِّمَالَ شُؤْمًا، كَمَا تُسَمِّي الْيَمِينَ يُمْنًا، وَمِنْ هُنَا قِيلَ لَهُمْ أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ أَوْ لِأَنَّهُمْ مَشَائِيمُ عَلَى أَنْفُسِهِمْ: فَعَصَوُا اللَّهَ فَأَدْخَلَهُمُ النَّارَ، وَالْمَشَائِيمُ ضِدُّ الْمَيَامِينِ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
مَشَائِيمُ لَيْسُوا مُصْلِحِينَ عَشِيرَةً وَلَا نَاعِبٍ إِلَّا بِبَيْنٍ غُرَابُهَا
وَبَيَّنَ - جَلَّ وَعَلَا - أَنَّ السَّابِقِينَ هُمُ الْمُقَرَّبُونَ، وَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ: وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ [٥٦ ١٠ - ١١]، وَهَذِهِ الْأَزْوَاجُ الثَّلَاثَةُ الْمَذْكُورَةُ هِيَ وَجَزَاؤُهَا فِي أَوَّلِ هَذِهِ السُّورَةِ الْكَرِيمَةِ جَاءَتْ هِيَ


الصفحة التالية
Icon