السُّرُرُ جَمْعُ سَرِيرٍ، وَقَدْ بَيَّنَ تَعَالَى أَنَّ سُرُرَهُمْ مَرْفُوعَةٌ فِي قَوْلِهِ فِي الْغَاشِيَةِ: فِيهَا سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ [١٨ ١٣]، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: مَوْضُونَةٍ مَنْسُوجَةٍ بِالذَّهَبِ، وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ بِقُضْبَانِ الذَّهَبِ مُشَبَّكَةٍ بِالدُّرِّ وَالْيَاقُوتِ، وَكُلُّ نَسْجٍ أُحْكِمَ وَدَخَلَ بَعْضُهُ فِي بَعْضٍ تُسَمِّيهِ الْعَرَبُ وَضَنًا، وَتُسَمِّي الْمَنْسُوجَ بِهِ مَوْضُونًا وَوَضِينًا، وَمِنْهُ الدِّرْعُ الْمَوْضُونَةُ إِذَا أُحْكِمَ نَسْجُهَا وَدَخَلَ بَعْضُ حَلْقَاتِهَا فِي بَعْضٍ.
وَمِنْهُ قَوْلُ الْأَعْشَى:
وَمِنْ نَسْجِ دَاوُدَ مَوْضُونَةٌ | تُسَاقُ مَعَ الْحَيِّ عِيرًا فَعِيرَا |
وَبَيْضَاءَ كَالنِّهْيِ مَوْضُونَةٍ | لَهَا قَوْنَسٌ فَوْقَ جَيْبِ الْبُدُنِ |
وَمِنْهُ قَوْلُ الرَّاجِزِ:
إِلَيْكَ تَعْدُو قَلِقًا وَضِينُهَا | مُعْتَرِضًا فِي بَطْنِهَا جَنِينُهَا |
وَهَذِهِ السُّرُرُ الْمُزَيَّنَةُ هِيَ الْمُعَبَّرُ عَنْهَا بِالْأَرَائِكِ فِي قَوْلِهِ: مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ [١٨ ٣١]، وَقَوْلِهِ: هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ [٣٦ ٥٦]. وَقَوْلُهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ مُتَّكِئِينَ حَالٌ مِنَ الضَّمِيرِ فِي قَوْلِهِ: عَلَى سُرُرٍ وَالتَّقْدِيرُ: اسْتَقَرُّوا عَلَى سُرُرٍ فِي حَالِ كَوْنِهِمْ مُتَّكِئِينَ عَلَيْهَا.
وَمَا ذَكَرَهُ - جَلَّ وَعَلَا - فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ مِنْ كَوْنِهِمْ عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ، أَيْ يَنْظُرُ بَعْضُهُمْ إِلَى وَجْهِ بَعْضٍ، كُلُّهُمْ يُقَابِلُ الْآخَرَ بِوَجْهِهِ، جَاءَ مُوَضَّحًا فِي آيَاتٍ أُخَرَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى فِي الْحِجْرِ: وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ [١٥ ٤٧] وَقَوْلِهِ فِي الصَّافَّاتِ: أُولَئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ فَوَاكِهُ وَهُمْ مُكْرَمُونَ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ [٣٧ ٤١ - ٤٤].