وَمَا تَضَمَّنَتْهُ هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ مِنْ كَوْنِ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ هُمْ أَذَلَّ خَلْقِ اللَّهِ، بَيَّنَهُ - جَلَّ وَعَلَا - فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ، وَذَلِكَ بِذِكْرِهِ أَنْوَاعَ عُقُوبَتِهِمُ الْمُفْضِيَةِ إِلَى الذُّلِّ وَالْخِزْيِ وَالْهَوَانِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدًا فِيهَا ذَلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ [٩ ٦٣]، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ كُبِتُوا كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ [٥٨ ٥]، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَوْلَا أَنْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلَاءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابُ النَّارِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِّ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ [٥٩ ٣ - ٤]، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ذَلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابَ النَّارِ [٨ ١٢ - ١٤]، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ.
قَدْ دَلَّتْ هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ عَلَى أَنَّ رُسُلَ اللَّهِ غَالِبُونَ لِكُلِّ مَنْ غَالَبَهُمْ، وَالْغَلَبَةُ نَوْعَانِ: غَلَبَةٌ بِالْحُجَّةِ وَالْبَيَانِ، وَهِيَ ثَابِتَةٌ لِجَمِيعِ الرُّسُلِ، وَغَلَبَةٌ بِالسَّيْفِ وَالسِّنَانِ، وَهِيَ ثَابِتَةٌ لِمَنْ أُمِرَ بِالْقِتَالِ مِنْهُمْ دُونَ مَنْ لَمْ يُؤْمَرْ بِهِ.
وَقَدْ دَلَّتْ هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ، وَأَمْثَالُهَا مِنَ الْآيَةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ [٣٧ ١٧١ - ١٧٣]- أَنَّهُ لَنْ يُقْتَلَ نَبِيٌّ فِي جِهَادٍ قَطُّ، لِأَنَّ الْمَقْتُولَ لَيْسَ بِغَالِبٍ، لِأَنَّ الْقَتْلَ قِسْمٌ مُقَابِلٌ لِلْغَلَبَةِ، كَمَا بَيَّنَهُ تَعَالَى فِي قَوْلِهِ: وَمَنْ يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ الْآيَةَ [٤ ٧٤]، وَقَالَ تَعَالَى: إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا الْآيَةَ [٤٠ ٥١]، وَقَدْ نَفَى عَنِ الْمَنْصُورِ كَوْنَهُ مَغْلُوبًا نَفْيًا بَاتًّا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ [٣ ١٦٠].
وَبِهَذَا تَعْلَمُ أَنَّ الرُّسُلَ الَّذِينَ جَاءَ فِي الْقُرْآنِ أَنَّهُمْ قُتِلُوا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ [٢ ٨٧]، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: قُلْ قَدْ جَاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ [٣ ١٨٣]- لَيْسُوا مَقْتُولِينَ فِي جِهَادٍ، وَأَنَّ نَائِبَ الْفَاعِلِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:


الصفحة التالية
Icon