وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ [٣ ١٤٦]، عَلَى قِرَاءَةِ «قُتِلَ» بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ، هُوَ رِبِّيُّونَ لَا ضَمِيرُ النَّبِيِّ.
وَقَدْ أَوْضَحْنَا هَذَا غَايَةَ الْإِيضَاحِ بِالْآيَاتِ الْقُرْآنِيَّةِ فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ [٣ ١٤٦]، وَذَكَرْنَا بَعْضَهُ فِي الصَّافَّاتِ فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ [٣٧ ١٧١].
قَوْلُهُ تَعَالَى: لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ.
وَرَدَتْ هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ بِلَفْظِ الْخَبَرِ، وَالْمُرَادُ بِهَا الْإِنْشَاءُ، وَهَذَا النَّهْيُ الْبَلِيدُ، وَالزَّجْرُ الْعَظِيمُ عَنْ مُوَالَاةِ أَعْدَاءِ اللَّهِ، وَإِيرَادُ الْإِنْشَاءِ بِلَفْظِ الْخَبَرِ أَقْوَى وَأَوْكَدُ مِنْ إِيرَادِهِ بِلَفْظِ الْإِنْشَاءِ، كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ فِي مَحِلِّهِ، وَمَعْنَى قَوْلِهِ: يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ: أَيْ يُحِبُّونَ وَيُوَالُونَ أَعْدَاءَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ.
وَمَا تَضَمَّنَتْهُ هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ مِنَ النَّهْيِ وَالزَّجْرِ الْعَظِيمِ عَنْ مُوَالَاةِ أَعْدَاءِ اللَّهِ - جَاءَ مُوَضَّحًا فِي آيَاتٍ أُخَرَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ [٦٠ ٤]، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ [٤٨ ٢٩]، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ [٥ ٥٤]، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً الْآيَةَ [٩ ١٢٣]، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ [٩ ٧٣]، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ زَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ، قَائِلًا: إِنَّهُ قَتَلَ أَبَاهُ كَافِرًا يَوْمَ بَدْرٍ أَوْ يَوْمَ أُحُدٍ، وَقِيلَ: نَزَلَتْ فِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ الْمُنَافِقِ الْمَشْهُورِ، وَزَعَمَ مَنْ قَالَ؛ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ اسْتَأْذَنَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي قَتْلِ أَبِيهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ، فَنَهَاهُ. وَقِيلَ: نَزَلَتْ فِي أَبِي بَكْرٍ، وَزَعَمَ مَنْ قَالَ؛ أَنَّ أَبَاهُ أَبَا قُحَافَةَ سَبَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبْلَ إِسْلَامِهِ فَضَرَبَهُ ابْنُهُ أَبُو بَكْرٍ حَتَّى سَقَطَ.