هَلْ شَهِدُوا خَلْقَ الْمَلَائِكَةِ وَحَضَرُوهُ حَتَّى عَلِمُوا أَنَّهُمْ خُلِقُوا إنَاثًا؟ فَقَدْ ذَكَرَهَا فِي قَوْلِهِ - تَعَالَى -: أَمْ خَلَقْنَا الْمَلَائِكَةَ إِنَاثًا وَهُمْ شَاهِدُونَ [٣٧ ١٥٠]. وَبَيَّنَ - تَعَالَى - أَنَّهُ لَمْ يُشْهِدِ الْكُفَّارَ خَلْقَ شَيْءٍ فِي قَوْلِهِ: مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ الْآيَةَ [١٨ ٥١].
وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ الَّتِي هِيَ كَوْنُ شَهَادَتِهِمْ بِذَلِكَ الْكُفْرِ سَتُكْتَبُ عَلَيْهِمْ - فَقَدْ ذَكَرَهَا - تَعَالَى - فِي مَوَاضِعَ مِنْ كِتَابِهِ، كَقَوْلِهِ - تَعَالَى -: وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ كِرَامًا كَاتِبِينَ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ [٨٢ ١٠ - ١٢]. وَقَوْلِهِ - تَعَالَى -: هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [٤٥ ٢٩]. وَقَوْلِهِ - تَعَالَى -: أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ [٤٣ ٨٠]. وَقَوْلِهِ - تَعَالَى -: إِنَّ رُسُلَنَا يَكْتُبُونَ مَا تَمْكُرُونَ [١٠ ٢١]. وَقَوْلِهِ - تَعَالَى -: وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا اقْرَأْ كِتَابَكَ الْآيَةَ [١٧ ١٣، ١٤]. وَقَوْلِهِ - تَعَالَى -: سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدًّا [١٩ ٧٩].
وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: وَهِيَ كَوْنُهُمْ يُسْأَلُونَ عَنْ ذَلِكَ الِافْتِرَاءِ وَالْكُفْرِ، فَقَدْ ذَكَرَهَا - تَعَالَى - فِي آيَاتٍ مِنْ كِتَابِهِ، كَقَوْلِهِ - تَعَالَى -: وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ [٢٩ ١٣]. وَقَوْلِهِ - تَعَالَى -: فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ [١٥ ٩٢ - ٩٣]. وَقَوْلِهِ - تَعَالَى -: وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ [٤٣ ٤٤]. وَقَوْلِهِ - تَعَالَى -: وَيَجْعَلُونَ لِمَا لَا يَعْلَمُونَ نَصِيبًا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ تَاللَّهِ لَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ [١٦ ٥٦]. إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ.
قَوْلُهُ - تَعَالَى -: وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ مَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ.
فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ إِشْكَالٌ مَعْرُوفٌ، وَوَجْهُهُ أَنَّ قَوْلَ الْكُفَّارِ الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّهُ عَنْهُمْ هُنَا، أَعْنِي قَوْلَهُ - تَعَالَى -: وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ [٤٣ ٢٠]- هُوَ بِالنَّظَرِ إِلَى ظَاهِرِهِ كَلَامٌ صَحِيحٌ ; لِأَنَّ اللَّهَ لَوْ شَاءَ أَنْ لَا يَعْبُدُوهُمْ مَا عَبَدُوهُمْ، كَمَا قَالَ - تَعَالَى -: وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا [٦ ١٠٧]. وَقَالَ - تَعَالَى -: وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ [٦ ٣٥]. وَقَالَ - تَعَالَى -: وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا الْآيَةَ


الصفحة التالية
Icon