قَالُوا: لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ رَاضِيًا بِهِ لَصَرَفَنَا عَنْهُ، فَتَكْذِيبُ اللَّهِ لَهُمْ فِي الْآيَاتِ الْمَذْكُورَةِ مُنْصَبٌّ عَلَى دَعْوَاهُمْ أَنَّهُ رَاضٍ بِهِ، وَاللَّهُ - جَلَّ وَعَلَا - يُكَذِّبُ هَذِهِ الدَّعْوَى فِي الْآيَاتِ الْمَذْكُورَةِ، وَفِي قَوْلِهِ: وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ [٣٩ ٧].
فَالْكُفَّارُ زَعَمُوا أَنَّ الْإِرَادَةَ الْكَوْنِيَّةَ الْقَدَرِيَّةَ تَسْتَلْزِمُ الرِّضَى، وَهُوَ زَعْمٌ بَاطِلٌ، وَهُوَ الَّذِي كَذَّبَهُمُ اللَّهُ فِيهِ فِي الْآيَاتِ الْمَذْكُورَةِ.
وَقَدْ أَشَارَ - تَعَالَى - إِلَى هَذِهِ الْآيَاتِ الْمَذْكُورَةِ، حَيْثُ قَالَ فِي آيَةِ «الزُّخْرُفِ» : أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا مِنْ قَبْلِهِ فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ [٤٣ ٢١]. أَيْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا يَدُلُّ عَلَى أَنَّا رَاضُونَ مِنْهُمْ بِذَلِكَ الْكُفْرِ، ثُمَّ أَضْرَبَ عَنْ هَذَا إِضْرَابَ إِبْطَالٍ مُبَيِّنًا أَنَّ مُسْتَنَدَهُمْ فِي تِلْكَ الدَّعْوَى الْكَاذِبَةِ هُوَ تَقْلِيدُ آبَائِهِمُ التَّقْلِيدَ الْأَعْمَى، وَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ: بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ [٤٣ ٢٢]. أَيْ شَرِيعَةٍ وَمِلَّةٍ، وَهِيَ الْكُفْرُ وَعِبَادَةُ الْأَوْثَانِ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ [٤٣ ٢٢].
فَقَوْلُهُ عَنْهُمْ: (مُهْتَدُونَ) وَهُوَ مَصَبُّ التَّكْذِيبِ ; لِأَنَّ اللَّهَ إِنَّمَا يَرْضَى بِالِاهْتِدَاءِ لَا بِالضَّلَالِ.
فَالِاهْتِدَاءُ الْمَزْعُومُ أَسَاسُهُ تَقْلِيدُ الْآبَاءِ الْأَعْمَى، وَسَيَأْتِي إِيضَاحُ رَدِّهِ عَلَيْهِمْ قَرِيبًا - إِنْ شَاءَ اللَّهُ -.
وَقَالَ - تَعَالَى - فِي آيَةِ «النَّحْلِ» بَعْدَ ذِكْرِهِ دَعْوَاهُمُ الْمَذْكُورَةَ: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ [١٦ ٣٦].
فَأَوْضَحَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ رَاضِيًا بِكُفْرِهِمْ، وَأَنَّهُ بَعَثَ فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا، وَأَمَرَهُمْ عَلَى لِسَانِهِ أَنْ يَعْبُدُوا اللَّهَ وَحْدَهُ، وَيَجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ، أَيْ يَتَبَاعَدُوا عَنْ عِبَادَةِ كُلِّ مَعْبُودٍ سِوَاهُ.
وَأَنَّ اللَّهَ هَدَى بَعْضَهُمْ إِلَى عِبَادَتِهِ وَحْدَهُ، وَأَنْ بَعْضَهُمْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ، أَيْ ثَبَتَ عَلَيْهِ الْكُفْرُ وَالشَّقَاءُ.
وَقَالَ - تَعَالَى - فِي آيَةِ «الْأَنْعَامِ» : قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ [٦ ١٤٩].


الصفحة التالية
Icon