هَذَا فِي مَوْضِعٍ آخَرَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ [٢ ١٤٦] فَقَدْ جَحَدُوا رِسَالَةَ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُمْ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ فَلَمْ يَنْفَعْهُمْ عِلْمُهُمْ بِهِ.
وَهَذِهِ الْآيَةُ أَشَدُّ مَا يَنْبَغِي الْحَذَرُ مِنْهَا، وَخَاصَّةً لِطُلَّابِ الْعِلْمِ وَحَمَلَتِهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ [٦٢ ٥] أَيْ: تَشْبِيهُهُمْ فِي هَذَا الْمَثَلِ بِهَذَا الْحَيَوَانِ الْمَعْرُوفِ.
وَقَدْ سَبَقَ لِلشَّيْخِ - رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْنَا وَعَلَيْهِ - الْكَلَامُ عَلَى هَذَا الْمِثَالِ فِي عِدَّةِ مَوَاضِعَ مِنَ الْأَضْوَاءِ، مِنْهَا فِي الْجُزْءِ الثَّانِي عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ الْآيَةَ [٧ ١٧٦].
وَمِنْهَا فِي الْجُزْءِ الثَّالِثِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ الْآيَةَ [١٤ ١٨].
وَمِنْهَا فِي الْجُزْءِ الرَّابِعِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ [١٨ ٥٤] فِي سُورَةِ «الْكَهْفِ» بِمَا فِيهِ الْكِفَايَةُ.
وَالَّذِي يَنْبَغِي التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ هُوَ أَنْ أَكْثَرَ الْمُفَسِّرِينَ يَجْعَلُهُ مِنْ قَبِيلِ التَّشْبِيهِ الْمُفْرِدِ، وَأَنَّ وَجْهَ الشَّبَهِ فِيهِ مُفْرَدٌ وَهُوَ عَدَمُ الِانْتِفَاعِ بِالْمَحْمُولِ، كَالْبَيْتِ الَّذِي فِيهِ:
كَالْعِيسِ فِي الْبَيْدَاءِ يَقْتُلُهَا الظَّمَا | وَالْمَاءُ فَوْقَ ظُهُورِهَا مَحْمُولُ |
قَوْلُهُ تَعَالَى: قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ.
قَالَ الشَّيْخُ - رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْنَا وَعَلَيْهِ - فِي إِمْلَائِهِ: الْخِطَابُ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالَّذِينَ هَادُوا هُمُ الْيَهُودُ.