رِجَالًا يَقُومُونَ عَلَى الْآطَامِ يُنَادُونَ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى نَقَسُوا أَوْ كَادُوا أَنْ يَنْقُسُوا "، قَالَ: فَجَاءَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي لَمَّا رَجَعْتُ لِمَا رَأَيْتُ مِنِ اهْتِمَامِكَ رَأَيْتُ رَجُلًا كَأَنَّ عَلَيْهِ ثَوْبَيْنِ أَخْضَرَيْنِ فَقَامَ عَلَى الْمَسْجِدِ فَأَذَّنَ، ثُمَّ قَعَدَ قَعْدَةً، ثُمَّ قَامَ فَقَالَ مِثْلَهَا إِلَّا أَنَّهُ يَقُولُ: قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ، وَلَوْلَا أَنْ يَقُولَ النَّاسُ لَقُلْتُ إِنِّي كُنْتُ يَقْظَانَ غَيْرَ نَائِمٍ. فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَقَدْ أَرَاكَ اللَّهُ خَيْرًا فَمُرْ بِلَالًا فَلْيُؤَذِّنْ، فَقَالَ عُمَرُ: أَمَا إِنِّي قَدْ رَأَيْتُ مِثْلَ الَّذِي رَأَى وَلَكِنِّي لَمَّا سُبِقْتُ اسْتَحْيَيْتُ ". لِأَبِي دَاوُدَ أَيْضًا.
فَفِيهِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ قَدْ هَمَّ أَنْ يَبُثَّ رِجَالًا فِي الدُّورِ، وَعَلَى الْآطَامِ يُنَادُونَ لِلصَّلَاةِ، فَيَكُونُ نِدَاءُ بِلَالٍ أَوَّلًا مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ دُونَ تَعْيِينِ أَلْفَاظٍ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ نِدَاءُ بِلَالٍ الْوَارِدُ فِي الصَّحِيحِ بِأَلْفَاظِ الْأَذَانِ، الْوَارِدَةِ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بَعْدَ أَنْ رَأَى مَا رَآهُ وَأَمَرَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُعَلِّمَهُ بِلَالًا فَنَادَى بِهِ، وَلَا تَعَارُضَ فِي ذَلِكَ كَمَا تَرَى.
وَمِنْهَا أَيْضًا: أَنَّ رُؤْيَا عَبْدِ اللَّهِ لِلْأَذَانِ لَا تَجْعَلُهُ مَشْرُوعًا لَهُ مِنْ عِنْدِهِ وَلَا مُتَوَقِّفًا عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ جَاءَ فِي الرُّؤْيَا الصَّالِحَةِ أَنَّهَا جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ.
وَهَذَا النَّظْمُ لِأَلْفَاظِ الْأَذَانِ لَا يَكُونُ إِلَّا مِنَ الْقِسْمِ فَهِيَ بَعِيدَةٌ عَنِ الْوَسَاوِسِ، وَالْهَوَاجِسِ لِمَا فِيهَا مِنْ إِعْلَانِ الْعَقِيدَةِ وَإِرْغَامِ الشَّيْطَانِ كَمَا فِي الْحَدِيثِ: " إِنَّ الشَّيْطَانَ إِذَا سَمِعَ النِّدَاءَ أَدْبَرَ " إِلَخْ.
ثُمَّ إِنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا سَمِعَهَا أَقَرَّهَا وَقَالَ: " إِنَّهَا لَرُؤْيَا حَقٌّ "، أَوْ لَقَدْ أَرَاكَ اللَّهُ حَقًّا، فَكَانَتْ سُنَّةَ تَقْرِيرٍ كَمَا يُقَرِّرُ بَعْضَ النَّاسِ عَلَى بَعْضِ الْأَفْعَالِ.
ثُمَّ جَاءَ بَعْدَ ذَلِكَ تَعْلِيمُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَبِي مَحْذُورَةَ فَصَارَ سُنَّةً ثَابِتَةً، وَكَانَ يُتَوَجَّهُ السُّؤَالُ لَوْ أَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَمِلُوا بِهِ بِمُجَرَّدِ الرُّؤْيَا، وَلَكِنْ وَقَدْ بَلَغَهُ وَأَقَرَّهُ فَلَا سُؤَالَ إِذًا.
وَمِنْهَا: أَنَّ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ أَنَّ الْوَحْيَ قَدْ جَاءَهُ بِهِ، وَلَمَّا أَخْبَرَهُ عُمَرُ قَالَ لَهُ: " سَبَقَكَ بِذَلِكَ الْوَحْيُ " ذُكِرَ فِي مَرَاسِيلِ أَبِي دَاوُدَ.
وَذُكِرَ عَنِ ابْنِ الْعَرَبِيِّ بَسْطُ الْكَلَامِ إِثْبَاتُ الْحُكْمِ بِالرُّؤْيَا ذَكَرَهُمَا الْمُعَلِّقُ عَلَى بَذْلِ الْمَجْهُودِ.
وَمِنْهَا مَا قِيلَ: تَرْكُ مَجِيءِ بَيَانِ وَتَعْلِيمِ الْأَذَانِ إِلَى أَنْ رَآهُ عَبْدُ اللَّهِ وَرَوَاهُ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا لِأَمْرَيْنِ، ذَكَرَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُعْلِنًا مَعَ ذِكْرِ اللَّهِ فَيَكُونُ مَجِيئُهُ عَنْ طَرِيقِهِمَا أَوْلَى


الصفحة التالية
Icon