وَمِنْهَا: أَلَّا يَلْحَنَ فِيهِ لَحْنًا بَيِّنًا، قَالَ فِي الْمُغْنِي: وَيُكْرَهُ اللَّحْنُ فِي الْأَذَانِ، فَإِنَّهُ رُبَّمَا غَيَّرَ الْمَعْنَى، فَإِنَّ مَنْ قَالَ: أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولَ اللَّهِ وَنَصَبَ لَامَ رَسُولٍ. أَخْرَجَهُ عَنْ كَوْنِهِ خَبَرًا.
وَلَا يَمُدُّ لَفْظَةَ أَكْبَرَ لِأَنَّهُ يَجْعَلُ فِيهَا أَلِفًا فَيَصِيرُ جَمْعُ كَبَرٍ، وَهُوَ الطَّبْلُ، وَلَا يُسْقِطُ الْهَاءَ مِنِ اسْمِ اللَّهِ وَالصَّلَاةِ وَلَا الْحَاءَ مِنَ الْفَلَاحِ، لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يُؤَذِّنُ لَكُمْ مَنْ يُدْغِمُ الْهَاءَ» الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ.
فَأَمَّا إِنْ كَانَ أَلْثَغَ لَا تَتَفَاحَشُ جَازَ أَذَانُهُ، فَقَدْ رُوِيَ أَنَّ بِلَالًا كَانَ يَقُولُ: أَسْهَدُ بِجَعْلِ الشِّينِ سِينًا، نَقَلَهُ ابْنُ قُدَامَةَ، وَلَكِنْ لَا أَصْلَ لِهَذَا الْأَثَرِ مَعَ شُهْرَتِهِ عَلَى أَلْسِنَةِ النَّاسِ، كَمَا فِي كَشْفِ الْخَفَاءِ وَمُزِيلِ الْإِلْبَاسِ.
وَمِنْ هَذَا يَنْبَغِي تَعَهُّدُ الْمُؤَذِّنِينَ فِي هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ اللَّحْنِ وَالتَّلْحِينِ وَكَذَلِكَ الْفِسْقُ، وَصِفَةُ الْمُؤَذِّنِينَ وَلَا سِيَّمَا فِي بِلَادِ الْحَرَمَيْنِ الشَّرِيفَيْنِ مَهْبِطِ الْوَحْيِ وَمَصْدَرِ التَّأَسِّي، وَمَوْفِدِ الْقَادِمِينَ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ لِيَأْخُذُوا آدَابَ الْأَذَانِ وَالْمُؤَذِّنِينَ عَنْ أَهْلِ هَذِهِ الْبِلَادِ الْمُقَدَّسَةِ.
أَلْفَاظُ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ وَالرَّاجِحُ مِنْهَا مَعَ بَيَانِ التَّثْوِيبِ وَالتَّرْجِيعِ
مَدَارُ أَلْفَاظِ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ فِي الْأَصْلِ عَلَى حَدِيثَيْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ بِالْمَدِينَةِ، وَحَدِيثِ أَبِي مَحْذُورَةَ فِي مَكَّةَ بَعْدَ الْفَتْحِ، وَمَا عَدَاهُمَا تَبَعٌ لَهُمَا كَحَدِيثِ بِلَالٍ وَغَيْرِهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ.
وَحَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ مَوْجُودٌ فِي السُّنَنِ أَيْ فِيمَا عَدَا الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ، وَهُوَ مُتَقَدِّمٌ مِنْ حَيْثُ الْزَمَنِ كَمَا تَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي مَبْحَثِ مَشْرُوعِيَّةِ الْأَذَانِ وَأَنَّهُ كَانَ ابْتِدَاءً فِي الْمَدِينَةِ أَوَّلَ مَقْدِمِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَيْهَا.
وَحَدِيثُ أَبِي مَحْذُورَةَ مَوْجُودٌ فِي السُّنَنِ وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ، وَلَمْ يَذْكُرِ الْبُخَارِيُّ وَاحِدًا مِنْهُمَا، وَإِنَّمَا ذَكَرَ قِصَّةَ سَبَبِ الْمَشْرُوعِيَّةِ، وَحَدِيثَ: أُمِرِ بِلَالٌ أَنْ يُشْفِعَ الْأَذَانَ وَيُوتِرَ الْإِقَامَةَ عَلَى مَا سَيَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ.
وَعَلَيْهِ سَنُقَدِّمُ حَدِيثَ عَبْدِ اللَّهِ؛ لِتَقَدُّمِهِ فِي الزَّمَنِ، وَأَلْفَاظُهُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي بَدْءِ


الصفحة التالية
Icon