مَحْذُورَةَ قَدْ جَاءَتْ مُتَعَدِّدَةً وَلَمْ تَتَّفِقْ صُورَةٌ مِنْ صُوَرِهَا مَعَ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ، حَيْثُ إِنَّ فِيهَا مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ فِي جَمِيعِ الْكَلِمَاتِ، وَمِنْهَا كَالْأَذَانِ مَعَ لَفْظِ الْإِقَامَةِ مَرَّتَيْنِ، وَسَنَدُ الْجَمِيعِ سَوَاءٌ.
فَهَلْ نَأْخُذُ فِي الْإِقَامَةِ بِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ أَمْ بِحَدِيثِ أَبِي مَحْذُورَةَ؟ مِنْ حَيْثُ الصِّنَاعَةُ بكُلٌّ مِنْهُمَا فِي السَّنَدِ سَوَاءٌ.
وَفِي حَدِيثِ أَبِي مَحْذُورَةَ زِيَادَةٌ وَهِيَ تَشْبِيهُهَا بِالْأَذَانِ، فَلَوْ كَانَ الْأَمْرُ قَاصِرًا عَلَى ذَلِكَ لَكَانَ الْعَمَلُ بِحَدِيثِ أَبِي مَحْذُورَةَ فِي الْإِقَامَةِ أَوْلَى ; لِأَنَّهُ مُتَأَخِّرٌ وَفِيهِ زِيَادَةٌ صَحِيحَةٌ، وَلَكِنْ وَجَدْنَا حَدِيثَ بِلَالٍ فِي الصَّحِيحِ، وَعِنْدَ مُسْلِمٍ أَيْضًا وَهُوَ أَمْرُ بِلَالٍ أَنْ يَشْفَعَ الْأَذَانَ وَأَنْ يُوتِرَ بِالْإِقَامَةِ، وَحَدِيثَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: كَانَ الْأَذَانُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَرَّتَيْنِ، وَالْإِقَامَةُ مَرَّةً مَرَّةً غَيْرَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ.
وَبِهَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ يُمْكِنُ التَّرْجِيحُ بَيْنَ حَدِيثَيْ عَبْدِ اللَّهِ وَأَبِي مَحْذُورَةَ فِي كُلٍّ مِنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ.
فَمِنْ حَدِيثِ بِلَالٍ: نَشْفَعُ الْأَذَانَ، وَلَكِنَّهُمْ يَخْتَلِفُونَ فِي تَحْقِيقِ الْمَنَاطِ فِي الْمُرَادِ بِالشَّفْعِ مِنْ حَيْثُ التَّكْبِيرِ ; لِأَنَّ الشَّفْعَ يَصْدُقُ عَلَى اثْنَيْنِ وَأَرْبَعٍ، وَعِنْدَ فِي الْأَذَانِ إِمَّا مَرَّتَانِ وَإِمَّا أَرْبَعٌ، وَكِلَاهُمَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ مَعْنَى الشَّفْعِ، وَلَكِنْ إِذَا اعْتَبَرْنَا أَنَّ كُلَّ تَكْبِيرَتَيْنِ جُمْلَةٌ وَاحِدَةٌ، كَانَ تَحَقُّقُ الشَّفْعِ بِجُمْلَتَيْنِ، فَيَأْتِي أَرْبَعَ تَكْبِيرَاتٍ، وَإِذَا اعْتَبَرْنَا كُلَّ تَكْبِيرَةٍ كَلِمَةً وُجِدَ الشَّفْعُ فِي جُمْلَةٍ وَاحِدَةٍ لِاشْتِمَالِهَا عَلَى كَلِمَتَيْنِ، وَلِهَذَا وَقَعَ الْخِلَافُ.
وَلَكِنَّ الْأَذَانَ لَمْ تُعَدَّ عِبَارَاتُهُ بِالْكَلِمَاتِ الْمُفْرَدَةِ بَلْ بِالْجُمَلِ ; لِأَنَّنَا نَعُدُّ قَوْلَنَا: حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، وَهِيَ فِي الْوَاقِعِ جُمْلَةٌ تَشْتَمِلُ عَلَى عِدَّةِ كَلِمَاتٍ مُفْرَدَةٍ، وَعَلَيْهِ فَقَوْلُنَا: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ كَلِمَةٌ، وَعَلَى هَذَا يَكُونُ الشَّفْعُ بِتَكْرَارِهَا، فَيَأْتِي أَرْبَعَ تَكْبِيرَاتٍ: وَهَذَا يَتَّفِقُ مَعَ رِوَايَةِ الْحَدِيثَيْنِ، وَحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ تَمَامًا.
وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: إِنَّ حَدِيثَ أَبِي مَحْذُورَةَ جَاءَ فِي نُسْخَةِ الْفَاسِيِّ لِمُسْلِمٍ بِأَرْبَعِ تَكْبِيرَاتٍ. اهـ.
وَبِهَذَا تَتَّفِقُ الرِّوَايَاتُ كُلُّهَا فِي تَرْبِيعِ التَّكْبِيرِ فِي الْأَذَانِ.


الصفحة التالية
Icon