إِنْ شَاءَ اللَّهُ.
أَوَّلًا: اتَّفَقَ الشَّافِعِيُّ، وَأَبُو حَنِيفَةَ عَلَى أَنَّهُ سُنَّةٌ عَلَى مَا رَجَّحَهُ النَّوَوِيُّ عَنِ الشَّافِعِيِّ فِي الْمَجْمُوعِ أَنَّهُ سُنَّةٌ فِي حَقِّ الْجَمِيعِ الْمُنْفَرِدِ وَالْجَمَاعَةِ فِي الْحَضَرِ وَفِي السَّفَرِ، أَيْ: أَنَّهُ لَا تَتَعَلَّقُ بِهِ صِحَّةُ الصَّلَاةِ.
وَحُكِيَ عَنْهُ أَنَّهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ أَيْ: لِلْجَمَاعَةِ أَوْ لِلْجُمُعَةِ خَاصَّةً، وَالدَّلِيلُ لَهُمْ فِي ذَلِكَ حَدِيثُ الْمُسِئِ صَلَاتَهُ ; لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَّمَهُ مَعَهَا الْوُضُوءَ، وَاسْتِقْبَالَ الْقِبْلَةِ، وَلَمْ يُعَلِّمْهُ أَمْرَ الْأَذَانِ وَلَا الْإِقَامَةِ.
ثَانِيًا: مَالِكٌ جَاءَ عَنْهُ أَنَّهُ فَرَضَ عَلَى الْمَسَاجِدِ الَّتِي لِلْجَمَاعَةِ وَلَيْسَ عَلَى الْمُنْفَرِدِ فَرْضًا وَلَا سُنَّةً.
وَعَنْهُ: أَنَّهُ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ عَلَى مَسَاجِدِ الْجَمَاعَةِ، فَفَرَّقَ مَالِكٌ بَيْنَ الْمُنْفَرِدِ وَمَسَاجِدِ الْجَمَاعَةِ. وَفِي مَتْنِ خَلِيلٍ عِنْدَهُمْ أَنَّهُ سُنَّةٌ لِجَمَاعَةٍ تَطْلُبُ غَيْرَهَا فِي فَرْضٍ وَقْتِيٍّ، وَلَوْ جُمُعَةٍ أَيْ وَمَا عَدَا ذَلِكَ فَلَيْسَ بِسُنَّةٍ، فَلَمْ يَجْعَلْهُ عَلَى الْمُنْفَرِدِ أَصْلًا. وَاخْتَلَفَ الْقَوْلُ عَنْهُ فِي مَسَاجِدِ الْجَمَاعَةِ مَا بَيْنَ الْفَرْضِ وَالسُّنَّةِ الْمُؤَكَّدَةِ، وَاسْتَدَلَّ بِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ لَا يَزِيدُ عَلَى الْإِقَامَةِ فِي السَّفَرِ إِلَّا فِي الصُّبْحِ، وَكَانَ يَقُولُ: إِنَّمَا الْأَذَانُ لِلْإِمَامِ الَّذِي يَجْتَمِعُ لَهُ النَّاسُ، رَوَاهُ مَالِكٌ.
وَكَذَلِكَ أَثَرُ ابْنِ مَسْعُودٍ وَعَلْقَمَةَ، صَلَّوْا بِغَيْرِ أَذَانٍ وَلَا إِقَامَةٍ. قَالَ سُفْيَانُ: كَفَتْهُمْ إِقَامَةُ الْمِصْرِ، وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: إِقَامَةُ الْمِصْرِ تَكْفِي، رَوَاهُمَا الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ بِلِينٍ.
ثَالِثًا: وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ: قَالَ الْخِرَقِيُّ: هُوَ سُنَّةٌ أَيْ كَالشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَغَيْرُ الْخِرَقِيِّ قَالَ كَقَوْلِ مَالِكٍ.
رَابِعًا: عِنْدَ الظَّاهِرِيَّةِ فَرْضٌ عَلَى الْأَعْيَانِ، وَيَسْتَدِلُّونَ بِحَدِيثِ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ وَصَاحِبِهِ، قَالَ لَهُمَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا كُنْتُمَا فِي سَفَرٍ فَأَذِّنَا وَأَقِيمَا، وَلْيَؤُمَّكُمَا أَكْبَرُكُمَا». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
فَحَمَلُوا الْأَمْرَ عَلَى الْوُجُوبِ.
هَذَا مُوجَزُ أَقْوَالِ الْأَئِمَّةِ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - مَعَ الْإِشَارَةِ إِلَى أَدِلَّتِهِمْ فِي الْجُمْلَةِ، وَحُكْمُهُ كَمَا رَأَيْتَ دَائِرٌ بَيْنَ السُّنَّةِ عُمُومًا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَالْوُجُوبُ عِنْدَ الظَّاهِرِيَّةِ.


الصفحة التالية
Icon