فَفِي تَفْسِيرِ جُوَيْبِرٍ عَنِ الضَّحَّاكِ عَنْ زِيَادَةَ الرَّاوِي، عَنْ بُرْدِ بْنِ سِنَانٍ، عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ مُعَاذٍ أَنَّ عُمَرَ أَمَرَ مُؤَذِّنَيْهِ أَنْ يُؤَذِّنَا لِلنَّاسِ الْجُمُعَةَ خَارِجًا مِنَ الْمَسْجِدِ حَتَّى يَسْمَعَ النَّاسُ، وَأَمَرَ أَنْ يُؤَذَّنَ بَيْنَ يَدَيْهِ، كَمَا كَانَ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَبِي بَكْرٍ، ثُمَّ قَالَ عُمَرُ: نَحْنُ ابْتَدَعْنَاهُ لِكَثْرَةِ الْمُسْلِمِينَ اهـ.
ثُمَّ نَاقَشَ ابْنُ حَجَرٍ هَذَا الْأَثَرَ وَقَالَ: إِنَّهُ مُنْقَطِعٌ ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ وَجَدَ لَهُ مَا يُقَوِّيهِ إِلَى آخِرِ كَلَامِهِ.
فَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى تَعَدُّدِ الْأَذَانِ لِلْجُمُعَةِ قَبْلَ الْوَقْتِ وَعِنْدَ دُخُولِهِ، سَوَاءٌ مِنْ عُمَرَ أَوْ مِنْ عُثْمَانَ أَوْ مِنْهُمَا مَعًا، رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمَا.
أَمَّا مَكَانُ هَذَا الْأَذَانِ وَزَمَانُهُ، فَإِنَّ الْمَكَانَ قَدْ جَاءَ النَّصُّ أَنَّهُ كَانَ عَلَى الزَّوْرَاءِ.
وَقَدْ كَثُرَ الْكَلَامُ فِي تَحْدِيدِ الزَّوْرَاءِ مَعَ اتِّفَاقِهِمْ أَنَّهَا مَكَانٌ بِالسُّوقِ، وَهَذَا يَتَّفِقُ مَعَ الْغَرَضِ مِنْ مَشْرُوعِيَّتِهِ لِتَنْبِيهِ أَهْلِ السُّوقِ بِوَقْتِ الْجُمُعَةِ لِلسَّعْيِ إِلَيْهَا.
أَمَّا الزَّوْرَاءُ بِعَيْنِهَا فَقَالَ عُلَمَاءُ تَارِيخِ الْمَدِينَةِ: إِنَّهُ اسْمٌ لِلسُّوقِ نَفْسِهَا، وَقِيلَ: مَكَانٌ مِنْهَا مُرْتَفِعٌ كَانَ عِنْدَ أَحْجَارِ الزَّيْتِ، وَعِنْدَ قَبْرِ مَالِكِ بْنِ سِنَانٍ، وَعِنْدَ سُوقِ الْعَبَاءَةِ.
وَالشَّيْءُ الثَّابِتُ الَّذِي لَمْ يَقْبَلِ التَّغَيُّرَ، هُوَ قَبْرُ مَالِكِ بْنِ سِنَانٍ، لَكِنْ يَقُولُونَ عِنْدَهُ، وَلَيْسَ فِي مَكَانِهِ، وَقَدْ بَدَا لِي أَنَّ الزَّوْرَاءَ هُوَ مَكَانُ الْمَسْجِدِ الَّذِي يُوجَدُ الْآنَ بِالسُّوقِ فِي مُقَابَلَةِ الْبَابِ الْمِصْرِيِّ الْمَعْرُوفِ بِمَسْجِدِ فَاطِمَةَ، وَيَبْدُو لِي أَنَّ الزَّوْرَاءَ حُرِّفَتْ إِلَى الزَّهْرَاءِ، وَالزَّهْرَاءُ عِنْدَ النَّاسِ يُسَاوِي فَاطِمَةَ لِكَثْرَةِ قَوْلِهِمْ فَاطِمَةَ الزَّهْرَاءِ، وَمَعْلُومٌ قَطْعًا أَنَّ فَاطِمَةَ الزَّهْرَاءَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَكُنْ لَهَا مَسْجِدٌ فِي هَذَا الْمَكَانِ، فَلَا صِحَّةَ لِنِسْبَةِ هَذَا الْمَسْجِدِ إِلَيْهَا، بَلْ وَلَا مَا نُسِبَ لِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - مِنْ مَسَاجِدَ فِي جَوَانِبِ مَسْجِدِ الْمُصَلَّى الْمَعْرُوفِ الْآنَ بِمَسْجِدِ الْغَمَامَةِ، وَإِنَّمَا صِحَّةُ مَا نُسِبَ إِلَيْهِمْ - رِضْوَانُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِمْ - هُوَ أَنَّ تِلْكَ الْأَمَاكِنَ كَانَتْ مَوَاقِفَهُمْ فِي مُصَلَّى الْعِيدِ، وَلِهَذَا تَرَاهَا كُلَّهَا فِي هَذَا الْمَكَانِ الْمُتَوَاجِدَةِ فِيهِ.
فَأَوَّلُهُمْ أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَقَدْ أَخَّرَ مَوْقِفَهُ عَنْ مَوْقِفِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَصَلَّى الْعِيدَ تَأَدُّبًا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَجَاءَ مِنْ بَعْدِهِ، وَاخْتَلَفَتْ أَمَاكِنُ مُصَلَّاهُمْ فَأُقِيمَتْ تِلْكَ الْمَسَاجِدُ فِي أَمَاكِنِ قِيَامِهِمْ.


الصفحة التالية
Icon