وَهُنَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ، فَإِنَّ غَلَبَةَ اسْتِعْمَالِ الْقُرْآنِ بَلْ عُمُومَ اسْتِعْمَالِهِ فِي الْحَشْرِ إِنَّمَا هُوَ لِلْجَمْعِ، ثُمَّ بَيَّنَ الْمُرَادَ بِالْحَشْرِ لِأَيِّ شَيْءٍ مِنْهَا قَوْلُهُ تَعَالَى: وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ [٢٧ ١٧]، وَقَوْلُهُ: وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا [٦ ١١١]، وَقَوْلُهُ عَنْ نَبِيِّ اللَّهِ دَاوُدَ: وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ [٣٨ ١٩]، وَقَوْلُهُ تَعَالَى عَنْ فِرْعَوْنَ: قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى [٢٠ ٥٩]، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَأَرْسِلْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ [٧ ١١١]، وَقَوْلُهُ: فَحَشَرَ فَنَادَى [٧٩ ٢٣]، فَكُلُّهَا بِمَعْنَى الْجَمْعِ.
وَإِذَا اسْتُعْمِلَ بِمَعْنَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَإِنَّهُ يَأْتِي مَقْرُونًا بِمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ، وَهُوَ جَمِيعُ اسْتِعْمَالَاتِ الْقُرْآنِ لِهَذَا، مِثْلُ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ [١٨ ٤٧]، وَذَلِكَ فِي يَوْمِ الْقِيَامَةِ؛ لِبُرُوزِ الْأَرْضِ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا [١٩ ٨٥]، وَذَلِكَ فِي يَوْمِ الْقِيَامَةِ لِتَقْيِيدِهِ بِالْيَوْمِ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا [٢٠ ١٠٢]، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ [٨١ ٥]، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ [٤١ ١٩]، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ مُقَيَّدٌ بِمَا يُعَيِّنُ الْمُرَادَ بِالْحَشْرِ، وَهُوَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ.
فَإِذَا أُطْلِقَ كَانَ لِمُجَرَّدِ الْجَمْعِ كَمَا فِي الْأَمْثِلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَعَلَيْهِ فَيَكُونُ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: لِأَوَّلِ الْحَشْرِ، أَنَّ الرَّاجِحَ فِيهِ لِأَوَّلِ الْجَمْعِ، وَتَكُونُ الْأَوَّلِيَّةُ زَمَانِيَّةً وَفِعْلًا، فَقَدْ كَانَ أَوَّلُ جَمْعٍ لِلْيَهُودِ، وَقَدْ أَعْقَبَهُ جَمْعٌ آخَرُ لِإِخْوَانِهِمْ بَنِي قُرَيْظَةَ بَعْدَ عَامٍ وَاحِدٍ، وَأَعْقَبَهُ جَمْعٌ آخَرُ فِي خَيْبَرَ، وَقَدْ قَدَّمْنَا رَبْطَ إِخْرَاجِ بَنِي النَّضِيرِ مِنْ دِيَارِهِمْ بِإِنْزَالِ بَنِي قُرَيْظَةَ مِنْ صَيَاصِيهِمْ، وَهَكَذَا رَبَطَ جَمْعَ هَؤُلَاءِ بِأُولَئِكَ إِلَّا أَنَّ هَؤُلَاءِ أُجْلُوا وَأُخْرِجُوا، وَأُولَئِكَ قُتِلُوا وَاسْتُرِقُّوا.
تَنْبِيهٌ
وَكَوْنُ الْحَشْرِ بِمَعْنَى الْجَمْعِ لَا يَتَنَافَى مَعَ كَوْنِ خُرُوجِهِمْ كَانَ إِلَى أَوَائِلِ الشَّامِ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ الْأَوَّلَ هُوَ جَمْعُهُمْ لِلْخُرُوجِ مِنَ الْمَدِينَةِ، ثُمَّ يَتَوَجَّهُونَ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَى الشَّامِ أَوْ إِلَى غَيْرِهَا.
وَقَدِ اسْتَدَلَّ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ تَوَجُّهَهُمْ كَانَ إِلَى الشَّامِ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى:


الصفحة التالية
Icon