إِلَى قَوْلِهِ: وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ [٣ ٩٧].
قَوْلُهُ تَعَالَى: زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ.
قَالَ الشَّيْخُ - رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْنَا وَعَلَيْهِ - أَيْ: أَنَّ الْكُفَّارَ ادَّعَوْا أَنَّهُمْ لَا يُبْعَثُونَ قَائِلِينَ: إِنَّ الْعِظَامَ الرَّمِيمَ لَا تُحْيَا، قُلْ لَهُمْ يَا نَبِيَّ اللَّهِ: بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ، وَبَلَى حَرْفٌ يَأْتِي لِأَحَدِ مَعْنَيَيْنِ الْأَوَّلُ رَدُّ نَفْيٍ، كَمَا هُنَا.
الثَّانِي: جَوَابُ اسْتِفْهَامٍ مُقْتَرِنٍ بِنَفْيٍ نَحْوَ قَوْلِهِ: أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى [٧ ١٧٢]، وَقَوْلُهُ: وَرَبِّي قَسَمٌ بِالرَّبِّ عَلَى الْبَعْثِ الَّذِي هُوَ الْإِحْيَاءُ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَقَدْ أَقْسَمَ بِهِ عَلَيْهِ فِي الْقُرْآنِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، الْأَوَّلُ هَذَا.
وَالثَّانِي قَوْلُهُ: وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ [١٠ ٥٣].
الثَّالِثُ قَوْلُهُ: وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ [٣٤ ٣]. اهـ.
وَقَوْلُهُ: ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ، بَيَّنَهُ تَعَالَى بِقَوْلِهِ: وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا [١٧ ١٣ - ١٤]، وَقَوْلُهُ: وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ اسْمُ الْإِشَارَةِ رَاجِعٌ إِلَى الْبَعْثِ وَيُسْرُهُ أَمْرٌ مُسَلَّمٌ ; لِأَنَّ الْإِعَادَةَ أَهْوَنُ مِنَ الْبَدْءِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى عَنِ الْكُفَّارِ: وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ [٣٦ ٧٨ - ٧٩]، وَقَوْلِهِ: مَا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ [٣١ ٢٨]، وَقَالَ وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ [٣٠ ٢٧].
قَوْلُهُ تَعَالَى: فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنَا.
النُّورُ هُنَا هُوَ الْقُرْآنُ كَمَا قَالَ تَعَالَى: مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [٤٢ ٥٢]، وَهُوَ الْقُرْآنُ، وَتَقَدَّمَ لِلشَّيْخِ - رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ - الْكَلَامُ عَلَيْهِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ [٥٧ ٩] مِنْ سُورَةِ «الْحَدِيدِ»، وَفِي الْمُذَكِّرَةِ سَمَّاهُ نُورًا ; لِأَنَّهُ كَاشِفٌ


الصفحة التالية
Icon