[١٧ ٢٣ - ٢٤].
فَكُلُّ صِيَغِ الْخِطَابِ هُنَا مُوَجَّهَةٌ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ قَطْعًا لَيْسَ مُرَادًا بِذَلِكَ لِعَدَمِ وُجُودِ وَالِدَيْنِ، وَلَا أَحَدِهِمَا عِنْدَ نُزُولِهَا كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ.
الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ خَاصًّا بِهِ لَا يَدْخُلُ مَعَهُ غَيْرُهُ قَطْعًا، نَحْوَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ [٣٣ ٥٠].
وَالثَّالِثُ: هُوَ الشَّامِلُ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلِغَيْرِهِ بِدَلِيلِ هَذِهِ الْآيَةِ، وَأَوَّلِ السُّورَةِ الَّتِي بَعْدَهَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ [٦٦ ١]، فَهَذَا كُلُّهُ خِطَابٌ مُوَجَّهٌ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَجَاءَ بَعْدَهَا مُبَاشَرَةً: قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ بِخِطَابِ الْجَمِيعِ: تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ [٦٦ ٢] فَدَلَّ أَنَّ الْآيَةَ دَاخِلَةٌ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ [٦٦ ١]، وَهَذَا بِاتِّفَاقٍ.
وَقَدْ بَيَّنَ الشَّيْخُ - رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْنَا وَعَلَيْهِ - هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ بِأَقْوَى دَلِيلٍ فِيهَا عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا، إِلَى قَوْلِهِ: مُنِيبِينَ إِلَيْهِ [٣٠ - ٣١].
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ الْآيَةَ، يُشْعِرُ بِأَنَّ كُلَّ الْمُطَلَّقَاتِ مِنَ النِّسَاءِ يُطَلَّقْنَ لِعِدَّتِهِنَّ وَتُحْصَى عِدَّتُهُنَّ.
وَالْإِحْصَاءُ الْعَدَدُ مَأْخُوذٌ مِنَ الْحَصَا، وَهُوَ الْحَصَا الصَّغِيرُ كَانَتِ الْعَرَبُ تَسْتَعْمِلُهُ فِي الْعَدَدِ لِأُمِّيَّتِهِمْ، ثُمَّ ذَكَرَ بَعْضَ عِدَدٍ لِبَعْضِ الْمُطَلَّقَاتِ وَلَمْ يَذْكُرْ جَمِيعَهُنَّ مَعَ أَنَّهُ مِنَ الْمُطَلَّقَاتِ مَنْ لَا عِدَّةَ لَهُنَّ وَهُنَّ غَيْرُ الْمَدْخُولِ بِهِنَّ، وَمِنَ الْمُطَلَّقَاتِ مَنْ لَمْ يَذْكُرْ عِدَّتَهُنَّ هُنَا.
قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: إِنَّهُ لَا عُمُومَ وَلَا تَخْصِيصَ ; لِأَنَّ لَفْظَ النِّسَاءِ اسْمُ جِنْسٍ يُطْلَقُ عَلَى الْكُلِّ وَعَلَى الْبَعْضِ، وَقَدْ أُطْلِقَ هُنَا عَلَى الْبَعْضِ وَهُوَ الْمُبَيَّنُ حُكْمُهُنَّ بِذِكْرِ عِدَّتِهِنَّ، وَهُنَّ اللَّاتِي يَئِسْنَ وَالصَّغِيرَاتُ وَذَوَاتُ الْحَمْلِ، وَحَاصِلُ عِدَدِ النِّسَاءِ تَتَلَخَّصُ فِي الْآتِي، وَهِيَ أَنَّ الْفُرْقَةَ إِمَّا بِحَيَاةٍ أَوْ بِمَوْتٍ، وَالْمُفَارَقَةُ إِمَّا حَامِلٌ أَوْ غَيْرُ حَامِلٍ، فَالْحَامِلُ عِدَّتُهَا بِوَضْعِ حَمْلِهَا اتِّفَاقًا، وَلَا عِبْرَةَ بِالْخِلَافِ فِي ذَلِكَ لِصِحَّةِ النُّصُوصِ، وَغَيْرُ الْحَامِلِ بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ


الصفحة التالية
Icon