وَفِي الْأَضْوَاءِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى فِي أَوَّلِ سُورَةِ «الْأَحْزَابِ» : وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللَّائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ [٣٣ ٤]، وَذَلِكَ أَنَّ لِلْعُلَمَاءِ نَحْوُ عِشْرِينَ قَوْلًا، وَرَجَّحَ الْقَوْلَ بِأَنَّ التَّحْرِيمَ ظِهَارٌ لِمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ ظَاهِرُ الْقُرْآنِ، وَأَنَّ الْقَوْلَ الَّذِي يَلِيهِ أَنَّهُ يَمِينٌ، وَنَاقَشَ الْمَسْأَلَةَ بِأَدِلَّتِهَا هُنَاكَ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا.
أُطْلِقَتِ التَّوْبَةُ هُنَا وَقُيِّدَتْ فِي الْآيَةِ بَعْدَهَا بِأَنَّهَا تَوْبَةٌ نَصُوحٌ، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا [٦٦ ٨].
وَحَقِيقَةُ التَّوْبَةِ النَّصُوحِ وَشُرُوطُهَا وَآثَارُهَا تَقَدَّمَ لِلشَّيْخِ - رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْنَا وَعَلَيْهِ - عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ [٢٤ ٣١].
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا. قَالَ الشَّيْخُ فِي إِمْلَائِهِ: (صَغَتْ) : بِمَعْنَى مَالَتْ وَرَضِيَتْ وَأَحَبَّتْ مَا كَرِهَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. اهـ.
وَقَالَ: (وَقُلُوبُكُمَا) جَمْعٌ مَعَ أَنَّهُ لِاثْنَتَيْنِ هُمَا حَفْصَةُ وَعَائِشَةُ، فَقِيلَ: لِأَنَّ الْمَعْنَى مَعْلُومٌ وَالْجَمْعَ أَخَفُّ مِنَ الْمُثَنَّى إِذَا أُضِيفَ. وَقِيلَ هُوَ مِمَّا اسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ أَقَلَّ الْجَمْعِ اثْنَيْنِ كَمَا فِي الْمِيرَاثِ فِي قَوْلِهِ: فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ [٤ ١١].
وَجَوَابُ الشَّرْطِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنْ تَتُوبَا مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ، فَذَلِكَ وَاجِبٌ عَلَيْكُمَا ; لِأَنَّ قُلُوبَكُمَا مَالَتْ إِلَى مَا لَا يُحِبُّهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. اهـ.
وَقَدَّرَهُ الْقُرْطُبِيُّ بِذَلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَمَعْنَاهُمَا مُتَقَارِبٌ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ.
قَالَ أَبُو حَيَّانَ: الْوَقْفُ عَلَى (مَوْلَاهُ)، وَتَكُونُ الْوَلَايَةُ خَاصَّةً بِاللَّهِ، وَيَكُونُ (جِبْرِيلُ) مُبْتَدَأً وَمَا بَعْدَهُ عُطِفَ عَلَيْهِ، (وَظَهِيرٌ) خَبَرٌ، وَعَلَيْهِ يَكُونُ جِبْرِيلُ ذُكِرَ مَرَّتَيْنِ بِالْخُصُوصِ أَوَّلًا وَبِالْعُمُومِ ثَانِيًا.
وَقِيلَ: الْوَقْفُ عَلَى (جِبْرِيلَ) مَعْطُوفًا عَلَى لَفْظِ الْجَلَالَةِ فِي الْوِلَايَةِ، ثُمَّ ابْتُدِئَ بِصَالِحِ الْمُؤْمِنِينَ وَعُطِفَ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ، وَيَدْخُلُ فِيهِمْ جِبْرِيلُ ضِمْنًا. اهـ.


الصفحة التالية
Icon