الْقُرْآنِ: بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ [٢ ١١٧] : بِمَعْنَى مُبْدِعٍ، وَأَلِيمٌ [٢ ١٠] : بِمَعْنَى مُؤْلِمٍ.
وَمِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ قَوْلُ عَمْرِو بْنِ مَعْدِيكَرِبَ:

أَمِنْ رَيْحَانَةَ الدَّاعِي السَّمِيعِ يُؤَرِّقُنِي وَأَصْحَابِي هُجُوعُ
فَالسَّمِيعُ بِمَعْنَى الْمُسْمِعِ.
وَقَوْلُ غَيْلَانَ:
وَيَرْفَعُ مِنْ صُدُورِ شَمَرْدَلَاتٍ يَصُدُّ وُجُوهَهَا وَهَجٌ أَلِيمٌ
أَيْ: مُؤْلِمٌ، وَالْإِنْذَارُ إِعْلَامٌ مُقْتَرِنٌ بِتَخْوِيفٍ.
وَقَالَ: وَهَذِهِ الْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يُعَذِّبُ بِالنَّارِ أَحَدًا إِلَّا بَعْدَ أَنْ يُنْذِرَهُ فِي الدُّنْيَا، وَقَدْ بَيَّنَ هَذَا الْمَعْنَى بِأَدِلَّتِهِ بِتَوَسُّعٍ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا [١٧ ١٥]، وَسَاقَ هَذِهِ الْآيَةَ هُنَاكَ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ.
قَدْ اعْتَرَفُوا بِمَجِئِ النَّذِيرِ إِلَيْهِمْ.
وَقَدْ بَيَّنَ تَعَالَى ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ: وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ [٣٥ ٢٤].
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ.
قَالَ الشَّيْخُ - رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْنَا وَعَلَيْهِ - فِي إِمْلَائِهِ: أَيْ: قَالَ أَهْلُ النَّارِ: (لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ) مَنْ يَعْقِلُ عَنِ اللَّهِ حُجَجَهُ (أَوْ نَعْقِلُ) حُجَجَ اللَّهِ (مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ)، أَيِ: النَّارِ، فَهُمْ يَسْمَعُونَ، وَلَكِنْ لَا يَسْمَعُونَ مَا يَنْفَعُهُمْ فِي الْآخِرَةِ، وَيَعْقِلُونَ وَلَكِنْ لَا يَعْقِلُونَ مَا يَنْفَعُهُمْ فِي الْآخِرَةِ ; لِأَنَّ اللَّهَ قَالَ: خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ [٢ ٧].
وَقَالَ: إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا [١٨ ٥٧].
وَقَدْ بَيَّنَ هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ - رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْنَا وَعَلَيْهِ - عِدَّةُ نُصُوصٍ صَرِيحَةٍ فِي ذَلِكَ، مِنْهَا أَصْلُ خِلْقَتِهِمُ الْكَامِلَةِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا


الصفحة التالية
Icon